وقرّر ابن خلدون السّفر الى الأسكندرية بعد رجوعه الى تونس عندما أراد السّلطان السّفر الى الزّاب فخاف ابن خلدون أن يحصل له ما حصل سابقا في المغرب الأوسط (الجزائر)فأراد استغلال فرصة وجود تجّار من الأسكندرية ليرافقهم الى مصر ويقول ابن خلدون عن هذه التجربة «ولمّا كان شهر شعبان من سنة أربع وثمانين، أجمع السّلطان الحركة الى الزّاب، بما كان صاحبه ابن مزني قد أوى ابن يملول إليه، ومهّد له في جواره، فخشيت أن يعود في شأني ما كان في السّفرة قبلها، وكانت بالمرسى سفينة لتجّار الأسكندرية قد شحنها التجّار بأمتعتهم وعروضهم، وهي مقلعة الى الإسكندرية، فتطارحت على السّلطان، وتوسّلت إليه في تخلية سبيلي لقضاء فرضي، فأذن لي في ذلك، وخرجت الى المرسى، والنّاس متسائلون على أثري من أعيان الدولة والبلد، وطلبة العلم .فودّعتهم، وركبت البحر، منتصف شعبان من السّنة .وقوّضت عنهم بحيث كانت لي الخيرة من اللّه سبحانه، وتفرّغت لتجديد ماكان عندي من أثار العلم، واللّه وليّ الأمور،سبحانه . ويواصل سرد رحلته الى الأسكندرية في اتّجاه البقاع المقدّسة «ولمّا رحلت من تونس، منتصف شعبان، من سنة أربع وثمانين، أقمنا في البحر نحوا من أربعين ليلة، ثمّ وافينا مرسى الأسكندرية يوم الفطر، ولعشر ليال من جلوس الملك الظّاهر على التّخت، واقتعاد كرسيّ الملك دون أهله، بني قلاون، وكنّا على ترقّب ذلك، لما كان يؤثر بقاصية البلاد من سموّه لذلك، وتمهيده له، وأقمت بالأسكندرية شهرا لتهيئة أسباب الحج، ولم يقدّر عامئذ فانتقلت الى القاهرة أوّل ذي القعدة، فرأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم ومدرج الذرّ من البشر، وإيوان الأسلام، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوّه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضئ البدور والكواكب من علمائه، قد مثل بشاطئ بحر النيل، نهر الجنّة، ومدفع مياه السّماء، يسقيهم النّهل والعلل سيحه، ويجبي إليهم الثّمرات والخيرات ثجّه، ومررت في سكك المدينة تغصّ بزحام المارّة، وأسواقها تزخر بالنّعم .ومازلنا نحدّث عن هذا البلد، وبعد مداه في العمران، واتّساع الأحوال، ولقد اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا وأصحابنا، حاجهمّ وتاجرهم، بالحديث عنه .سألت صاحبنا، قاضي الجماعة بفاس، وكبير العلماء بالمغرب، أبا عبد اللّه المقري (مقدمه من الحج سنة أربعين)فقلت له كيف هذه القاهرة ؟فقال من لم يرها لم يعرف عزّ الإسلام». يتبع