يقول أبن خلدون في «رحلته شرقا وغربا»عن مرحلة جلوسه الى شيخه الأبلي بعد أن أختطف الطاعون والديه والبعض من شيوخه «لم أزل، منذ نشأت وناهزت، منكبّا على تحصيل العلم، حريصا على أقتناء الفضائل، متنقّلا بين دروس العلم وحلقاته، الى أن كان الطّاعون الجارف، وذهب بالأعيان، والصّدور، وجميع المشيخة، وهلك أبواي، رحمهما اللّه، ولزمت مجلس شيخنا أبي عبداللّه، الأبلي، وعكفت على القرأءة عليه ثلاث سنين، إلى أن شدوت بعض الشيء، وأستدعاه السّلطان أبو عنان، فأرتحل إليه، وأستدعاني أبو محمد بن تافراكين المستبدّ على الدّولة، يومئذ بتونس، إلى كتابة العلامة عن سلطانه أبي أسحاق، وقد نهض إليهم من قسطنطينة صاحبها الأمير أبو زيد، حافد السّلطان أبي يحي في عساكره، ومعه العرب أولاد مهلهل، الذين أستنجدوه لذلك، فأخرج أبن تافراكين سلطانه أبا أسحاق مع العرب ،أولاد أبي الليل ،وبتّ العطاء في عسكره، وعمّر له المراتب والوظائف، وتعلّل عليه صاحبه العلاّمة أبوعبداللّه، محمد بن عمر، بالإستزادة من العطاء، فعزله، وأدالني منه فكتبت العلامة للسّلطان،وهي وضع» الحمدلله، والشّكر للّه «بالقلم الغليظ ،ممّا بين البسملة وما بعدها، من مخاطبة أو مرسوم، وخرجت معهم أوّل سنة ثلاث وخمسين. وقد كنت منطويا على مفارقتهم، لما أصابني من الأستيحاش لذهاب أشياخي، وعطلتي عن طلب العلم». وحسب التاريخ الذي ذكره أبن خلدون نفهم أنّه بدأ الإتّصال بدوائر السّلطة وكواليس السّلاطين قبل أن يبلغ العشرين من عمره. وبعد تجربة في القتال إلتحق بالمرينيين في المغرب للقاء شيوخه في فاس الذين عرفهم في الجامع الأعظم وقد ظلّ يتحيّن الفرصة لذلك عندما هزم جيش أبي أسحاق الحفصي في معركته مع صاحب قسطنطينة أبو زيد وهي المعركة التي شارك فيها أبن خلدون قبل أن يفرّ الى تبسّة ومنها الى قفصة كما يذكر «ثمّ تحوّلت الى تبسّة ونزلت بها عند محمد بن عبدون، صاحبها، فأقمت عنده ليالي حتّى هيأ لي الطّريق ،وبذرق لي مع رفيق من العرب. ويضيف «وسافرت الى قفصة، وأقمت بها أيّاما أترصّد الطّريق، حتّى قدم علينا بها الفقيه محمد أبن الرئيس منصور بن مزني، وأخوه يوسف يومئذ صاحب الزّاب، وكان هو بتونس، فلمّا حاصرها الأمير أبوزيد، خرج إليه، فكان معه، ثمّ بلغهم الخبر بأنّ السّلطان أبا عنان ملك المغرب، نهض الى تلمسان فملكها،وقتل سلطانها عثمان بن عبد الرحمان، وأخاه أبا ثابت، وأنّه أنتهى الى المديّة، وملك بجاية» وعندما سيّطر أبو عنان على تلمسان إلتحق به أبن خلدون. يتبع