ان اطلاقية الحقيقة الدينية وشموليتها هي التي تجعلنا نقر باستحالة امكانية انخراط الاحزاب الدينية في اي عملية انتقال ديمقراطي ذلك ان طبيعة تلك الحقيقة باعتبارها تسموعلى كل مجهود فكري انساني كما تسموحتى على ارادة الشعب الذي يجب ان يمتثل «للسلطة الغيبية» يجعلنا نقر بان الفكر الديني يقصي ضرورة كل تعددية فكرية اوسياسية وهوما يتعارض مع جوهر الديمقراطية باعتبارها توكل للعقل البشري صياغة الدساتير والقوانين التي تكون بدورها تعبيرا عن سيادة الشعب كما ان هذه التشريعات ليست حقائق مطلقة وثابتة وشاملة بل هي قابلة للنقد والمراجعة باستمرار كما ان الديمقراطية تتاسس على احترام حرية التعبير بشكل يضمن تواجد مواقف مختلفة ومتعارضة وبالتالي تواجد حقائق مختلفة ونسبية. ان الاحزاب الدينية تستغل الديمقراطية ذاتها للوصول الى الحكم وهي قادرة على صياغة خطاب فيه ما يكفي من النفاق والديماغوجيا بما يجعله يبدووكانه خطاب لا يتعارض مع الديمقراطية كان يصرح زعيم حزب ديني في تونس في عدة مناسبات «نحن لا ندعي امتلاك الحقيقة» وهذا الادعاء ان اخذناه على محمل الجد فهويعني تقريبا قدرته حتى على مراجعة الحقيقةالتي تستند اليها اي الحقيقة الدينية. ان هذا التناقض بين الاستناد الى نص ديني مقدس واعتباره حقيقة مطلقة ومصدرا لكل التشريعات وبين هذا الادعاء بما فيه من ايحاءات تدل على فكر منفتح ومتجدد يعود الى رغبة هذه الاحزاب في الانخراط شكلا في عملية الانتقال الديمقراطي من خلال رفع نفس الشعارات لاكتساب نوع من الاهلية تمكنها من التحول الى مكون من مكونات المشهد السياسي يلتقي بغيره من المكونات على مستوى الاسس والاهداف لكننا نعود هنا لنذكر مرة اخرى بالتمايز بين الحقيقة المطلقة والمنزلة والحقيقة النسبية المتغيرة بين التوافق الاجتماعي اوالعقد الاجتماعي الذي تنخرط فيه جميع الارادات الفردية وبين نص مطلق وثابت يتم تطبيقه عن طريق اوصياء الدين المتشكلين في حزب سياسي ان الاحزاب الدينية تتعارض بشكل صارخ مع المفاهيم والاسس النظرية التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي وهي: أولا: المواطنة حيث ان الديمقراطية تتاسس على المساواة في المواطنة ذلك ان الاحزاب الديمقراطية تكون مفتوحة على كل المواطنين في حين ان الاحزاب الدينية لا يدخلها من لم يكن منتميا لذلك الدين اولتلك الطائفة ثانيا: الحريات الفردية وهي غاية الديمقراطية باعتبارها تهدف الى الارتقاء بالانسان وحفظ كرامته فقد تدعي الاحزاب الدينية قبولها بحرية التعبير لكن الاثبت انها لا تقبل ان نتوجه بالنقد لحقيقتها الدينية الثابتة والراسخة وقد تدعي الاحزاب الدينية قبولها بحرية المعتقد لكن من الثابت والاكيد انها لن تقبل برئيس دولة لا دين له. ان الاحزاب الدينية تستظل دائما تستند الى تدني الوعي السياسي لتمرير خطابها وعلى التلاعب بارادة الناس لكن الاكيد انه بقدر ما يخطوالعقل خطوة الى الامام فهي تخطوها الى الوراء الى ان نتاكد ان حقائقهم ليست الا اوهاما نسينا انها كذلك على حد تعبير احد الفلاسفة. بقلم: فوزي النوري