بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    الكرة الطائرة : المنتخب في إيطاليا وبن عثمان يحتجب    القيروان .. إستعدادا لاجتياز مناظرتي السيزيام والنوفيام .. جلسة توعوية للإحاطة بالتلاميذ وأوليائهم    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    إجراءات لدعم التشغيل    كأس العالم للأندية :باريس سان جيرمان يضرب أتليتيكو مدريد برباعية    علاء الشابي وزوجته وهالة الذوادي يستعدون لمغادرة الأراضي الايرانية    أخبار الحكومة    مع الشروق :حين تصمت الأنظمة وتتكلم الشعوب    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مدنين: حملة نظافة بجربة اجيم لجمع النفايات البلاستيكية    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    وزارة المالية تعين لمياء بن اسماعيل في خطة امين مال عام للجمهورية التونسية    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    قافلة الصمود تدعو الراغبين في العودة إلى تونس لتسجيل أسمائهم في موقع التخييم بمصراتة    هكذا سيكون طقس الليلة    وزارة الأسرة تذكّر بأنّ خدمة تلقي الاشعارات والتوجيه حول كبار السن متاحة على الرقم الأخضر 1833    وزارة الصحة: اختيار مراكز التربصات للمقيمين في الطب ستجرى خلال الفترة من 16 الى 19 جوان الجاري    كأس العالم للأندية 2025: بنفيكا يواجه بوكا جونيورز وتشيلسي يفتتح مشواره أمام لوس أنجلس غدا    "إسرائيل تلجأ لتفجير سيارات مفخخة في طهران".. مصدر مطلع يكشف    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    لجنة انتداب تابعة لوزارة التربية العمانية تزول تونس الاسبوع المقبل (وكالة التعاون الفني)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    تدخل عاجل لوحدات الحماية المدنية للسيطرة على حريق مهول في معتمدية باجة الجنوبية    دورة برلين المفتوحة للتنس: انس جابر في الجدول النهائي بفضل بطاقة الخاسر المحظوظ    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    وزارة الصحة تُعلن رزنامة اختبار اختيار المراكز للمقيمين في الطب    المُقاومة اليمنية تقصف إسرائيل بالتنسيق مع إيران..#خبر_عاجل    عاجل/ آخر مستجدات قافلة الصمود بعد ايقاف عدد من الناشطين..    إتحاد الفلاحة بباجة يدعو إلى مراجعة سلم تعيير الحبوب بسبب تدني الجودة جراء الأمطار الأخيرة [فيديو]    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    كأس العالم للأندية 2025 - الوداد المغربي يتعاقد مع المدافع البرازيلي غيليرمي فيريرا    بنزرت: مشاركة قياسية ضمن أول دورة من فعاليات "نصف ماراطون بنزرت"    الترجي الرياضي يعزز ثقة باسم السبكي بقيادة الفريق لموسم جديد    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    السلطات الليبية: ''قافلة الصمود'' دخلت ليبيا بشكل قانوني    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    الأهلي يُعلن غياب إمام عاشور رسميًا بعد إصابته أمام إنتر ميامي    مقترح برلماني: 300 دينار منحة بطالة و450 دينار للعاجزين عن العمل    "فارس": إيران تسقط 44 مسيرة إسرائيلية على الحدود    إيران تعرب عن استيائها من "صمت" وكالة الطاقة الذرية    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    طقس الليلة    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    عاجل/ تسجيل 5 وفيات في صفوف حجيج تونس    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمواج الصحراء : خواطر حول التغيير في عهد التحول

عندما تطرح قضية التغيير أو ما يطلق عليه عندنا بالتحول فإن الصيغة المتداولة عادة تتناول القضية من زاوية مدى وجود الإرادة السياسية للتغيير من عدمها. لذلك لم يتوقف الإعلام الرسمي عن التأكيد عن جدية وقوة هذه الإرادة بينما لم يتعدى مخالفيه التشكيك في جديتها. هذه الحلقة المفرغة التي سقط فيها الخطاب السياسي عندنا منذ عقدين أصبحت أهم علامة عجزه عن تجاوز جانب النوايا و إقتحام مجالات الفعل الواقعية الملموسة و البحث عن وضعية الأدوات السياسية الكفيلة وحدها بتحقيق التغيير.
و قد أدى هذا النسق في تناول قضية التحول إلى مأزق في تحديد مفهوم التغيير و أصبحت السلطة تدلل على نجاحها في إحداثه بما يحصل من تحولات في مستوى البنى التحتية و الإقتصادية و معدل الدخل و نسبة التمدرس و إنساق منتقدوها عن وعي أو بدونه إلى محاولات قائمة على خطأ منهجي في تفكيرهم يستبطن فكرة أن مؤشر عدم تحقق التغير يجب أن يقترن بفشل إقتصادي وتدهور في مستوى عيش السكان و تردي لمختلف المؤشرات الإقتصادية و الإجتماعية للبلاد. و هكذا حصلت نقلة تدريجية في مضمون التغيير و مجالاته من استحقاق سياسي محدد و صريح سواء بنص بيان السابع من نوفمبر أو بمضامين الميثاق الوطني إلى عملية تقييم لأداء السلطة المنبثقة عن انقلاب السابع من نوفمبر بكل ما ورثته من شمولية و جمع لكل السلط و تسلط على المجتمع مما قاد إلى نتيجة معاكسة لبرنامج التحول عمقت من وطأة الإستبداد و من اختلال ميزان القوى داخل على حساب الأغلبية على النحو الذي وصلنا له اليوم.
كما أن المقصود عادة بالإرادة السياسية أصبح ينصرف حصريا إلى إرادة السلطة رغم أن أي سلطة لا يعتد بها إلا بقدر تعبيرها عن إرادة مجتمعها و إذا كان لها من تغيير تخطط لإحداثه فإنها تبادر به منذ الأيام الأولى لتولي القائمين بها مقاليدها أما بعد عشرين سنة من ممارسة الحكم فلا يمكن أن يبقى لها ما تغيره من حقيقة طبيعتها و يعرف كل موضوعي متزن أنه من السذاجة مواصلة انتظاره منها خاصة إذا كانت قد قامت فعليا على تكريس و تعميق الإستبداد و ممارسة القمع و هي تدعى دعم الحريات و الدفاع عن حقوق الإنسان.
و لعل هذه الوضعية هي السبب في خلق وضع مقلوب حيث تحولت قضية التغيير إلى عنوان لخطاب السلطة في مواجهة خطاب للمعارضة يبدو أكثره تشددا لا يتجاوز المطالبة بإصلاحات تسمح لها بوضع أفضل للمشاركة حسب القواعد القائمة بحيث تبدو ملكية أكثر من الملك و أكثر محافظة من السلطة نفسها. فالسلطة بتمسكها بالدفاع عن زيادة مكتسبات التنمية على حساب المطاب السياسية تبدوا أكثر إهتماما بمصالح المجتمع من مشاغل معارضة منكفئة على أزمة اوضاعها الخاصة. و هذه الإستراتيجية سبق أن اختبرها بنجاح النظام الحالي في بداية استيلائه على السلطة منذ 20 سنة عندما رفع لواء تكريس احترام حقوق الإنسان فنجح في تهميش المعارضة و المجتمع المدني و تحجيم ضغطهما في صياغة الإصلاحات المطلوبة مما مكنه من وضع تعديلات شكلية لم كانت نتيجتها الفعلية سوى تمكينها من مزيد إحكام سيطرتها على الأجهزة القمعية للسلطة و الحفاظ على وسائل التحكم والردع المسلطة على المجتمع بواسطتها. و على نفس المنوال تحولت قضية التغيير من تغيير نظام شمولي مستبد بكل السلط قائم على قواعد الولاء و الزبونية و على تغييب إي ممارسة حقيقية لمراقبة المجتمع لأداء السلط العمومية إلى البحث عن تفاصيل جزئية لا تسعى من ورائها النخب الساعية إليها سوى إلى تحسين وضعيتها الخاصة في إطاره دون تغير حقيقي في طبيعته.
قد يهم المختصين في دراسة بسيكولوجيا الجماعات لماذا لا تزال نخب مجتمعات مثل مجتمعنا تتوهم أنه سيقع تلبية أمانيها في الحرية و الديموقراطية من طرف نفس السلطة القائمة على تكميمها و قمعها واضطهادها. و لكن هذا ليس موضوعنا لأن ما يهمنا وضع المجتمع في مواجهة السلطة و الوصول إلى الوضع الذي يصبح فيه المجتمع قادرا على إفراز السلطة التي تلتزم بتحقيق مصالحه لا أن تبقى هذه السلطة أداة لقمعه و التحكم فيه. و لكن الخطاب الغالب على النخبة التي تدعى النضال من أجل الديموقراطية و الحريات رغم ما يطبع بعضه من حدة ظاهرية قائم أساسا على فكرة التوجه إلى السلطة و إشاعة حالة الإنتظار بما يجعله يلتقي موضوعيا مع دعايتها التي لا تنفك يوما عن التأكيد على حرصها على قيم الديموقراطية و حقوق الإنسان دون أن تتوقف يوما عن ممارسة نقيضها. و لا مجال اليوم للوصول إلى إحداث تحول حقيقي دون فضح هذه الوضعية و إنهاء هذه الحقبة القائمة على السفاهة السياسية و الخروج بالخطاب السياسي إلى القضايا الحقيقية.
ذلك أن ما يحقق التغيير و يبني الديموقراطية هي الأدوات العملية من تنظيمات و مؤسسات و ممارسات و هي ليست منة تهبها الإرادة السلطانية لتسويفهم بانتظارها و لكنها مؤسسات و تنظيمات وقواعد عمل و محاسبة قائمة حسب شروط و ضوابط معروفة سلفا ولا تصلح إلا بتوفرها. و لكن ما نعاينه فعليا على مدى العشرين سنة المنقضية أن الشغل الشاغل لنظام السابع من نوفمبر منذ قيامه لم ينصرف إلا إلى سحق كل التنظيمات و تكبيل كل المؤسسات و التصدي لأدنى الممارسات التي يمكن أن تندرج في إطار العمل أو التعبير الحر و المستقل في مجال الشأن العام أو المس من الصبغة الشمولية المستبدة للنظام. و كما لم يأتي الإستقلال من أنصار الإندماج مع الإستعمار و لا من أنصار الإستفادة من الإنجازات التحديثية و البنية التحتية التي جاءت بها الأقلية المستعمرة نعتقد أن المتملقين للدكتاتورية و المقرين بإنجازاتها و المنتظرين لمبادراتها هم موضوعيا حلفائها و سبب بقائها.
و هكذا بقي الخطاب السياسي في تونس تائها يطارد السراب في حين لا يبقى واضحا للعيان سوى أمواج لصحراء لا تنتهي تجاوزت حدود الإستبداد لحالة من الملكية الفعلية بفعل إطالة عمر الدكتاتورية و ما خلفه من نشر للإحباط. فالخطاب الديموقراطي لم يهتدي إلى الأدوات التحليلية الضرورية القادرة وحدها على توضيح الرؤى بتحديد الإتجاه و ترتيب الأولويات و صياغة رأي عام مستوعب لحقيقة واقع مجتمعه و قادر على الإهتداء للحلول الحقيقية الكفيلة بإنهاء المرحلة الدكتاتورية عن وطنه.
معارضة مزايدة في الموالاة
اعتبر حزب الوحدة الشعبية أن خطاب الرئيس كان في مستوى تطلعات المناضلين من أجل الديموقراطية و التقدم واعتبر مكتبه السياسي أن الخطاب جامعا لجميع الأبعاد السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية. أما الحزب الإجتماعي التحرري فقد قال أن الخطاب يعطي نفسا جديدا للخيار الديموقراطي و اعتبره يشكل بجميع المقاييس حدثا يكتسي أهمية قصوى في الحياة الوطنية و سطر معالم استراتيجية المستقبل و أنه يستجيب لتطلعات كل القوى السياسية الوطنية. و حيّت حركة الديموقراطيين الإشتراكيين الإجراءات الواردة بخطاب الرئيس منقذ الوطن و باني مجده. كما اجتمع حزب الخضر للتقدم لتدارس أبعاد و مغازي الخطاب المنهجي للرئيس وأكد أن خطاب العشرينية سيشكل محطة أخرى مهمة في تاريخ البلاد. كما عبر الامين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوى عن تقديره الكبير للجهود التي يبذلها الرئيس زين العابدين بن علي من اجل تطوير الحياة السياسية في تونس والتي قال أنها ليست بالهينة ملاحظا أن خطاب سيادته اليوم خطاب ايجابي وياتي في مرحلة دقيقة بعد عشرين سنة من التغيير.[1] و من ناحيتها أصدرت حركة التجديد بيانا أكدت فيه على أهمية ما ورد في هذا الخطاب من إعلان عن إجراءات تتعلق خاصة بدور الأحزاب في تطوير الحياة السياسية وتعديل المجلة الانتخابية ووضع حد للرقابة الإدارية المسلطة على الإبداع الفكري والثقافي.[2]
هكذا إذن تجسد التغيير وولى إلى غير رجعة ذلك العهد الذي كانت فيه خلايا شعب الحزب الحاكم و لجانه و هيئاته تتهافت على الإبراق بالولاء و التأييد للمجاهد الأكبر و لصانع التغيير بعده عند كل كلمة يتوجه بها عبر الإذاعة و التلفزة بل أصبحت أحزاب "المعارضة" هي التي تضطلع بهذا الدور. وهي بذلك لا تقدم سوى "صورة مشوهة عن الأصل" الذي يمثله التجمع الدستوري كما وصفها أحد أقطاب مجلس المستشارين.[3]
لئن كان من حق كل حزب أن يحدد مواقفه بالشكل الذي تمليه علي قراءته و تقتضيه مصالحه فإن إي حزب يدعي المعارضة لا يمكن إلا أن يفقد خصوصيته إذا لم يترك مجال للتباين بين مواقف السلطة و مواقفه. و لكننا عندما نتأمل مختلف البيانات الصادرة بهذه المناسبة و التي ليست سوى انسجاما مع المواقف السابقة لمختلف هذه الأحزاب و لأدائها داخل مجلس النواب نجد أنها أصبحت تتقدم عن الحزب الحاكم "التجمع الدستوري الديموقراطي" في مساندة السياسة الحالية لرئيس الجمهورية. و هكذا لم يبقى من معنى لمعارضتها سوى معارضة الحزب الحاكم بالمزايدة في المساندة و إظهار الولاء "لصانع التغيير" كما يسمون رئيس الدولة. لذلك نجد أن السؤال الذي يطرح نفسه و لا يجد جوابا شافيا هو المقصود بالإصرار على تصنيفها أحزاب معارضة؟ و إن كانت معارضة أين معارضتها و فيما تختلف عن الحزب الحاكم نفسه؟ و هل يحق إعتبارها معارضة بالمعنى الذي يخولها الإنتفاع بإجراءات دعم تمثيلية الأحزاب داخل المجالس التشريعية و البلدية إذا كان المقصود من هذه الإجراءات حقا ضمان حد أدنى من التعددية داخلها.
معارضة من صلب منظومة الإستبداد
ربما كان في زمن الحزب الواحد منذ عشرات السنين نستسيغ تصنيف كل من لم يكن منسجما ومنضويا تحت لواء الحزب الدستوري معارضا ولكن هذه الوضعية تغيرت بعد الإنسلاخات المتتالية عن هذا الحزب و التي بدأت بظهور حركة الوحدة الشعبية في المهجر بعد محاكمة أحمد بن صالح و فراره إلى جانب الحزب الشيوعي منذ منعه في بداية الستينات ثم تكونت حركة الديموقراطيين الإشتراكيين خارج الشرعية إثر إنشقاق أحمد المستيري و جماعته عن الحزب الحاكم إلى أن أقر الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بالتعددية و اعترف بالجناح المنشق على حركة الوحدة الشعبية و بحركة الديموقراطيين الإشتراكيين و قام برفع الحضر عن نشاط الحزب الشيوعي الذي تحول إلى حركة التجديد. و لكن هذه الأحزاب تحولت منذ عشرين سنة إلى مساندة شبه مطلقة للنظام و انخرطت في دعم الإنقلاب الحاصل على الرئيس السابق بقطع النظر عن خلفيات هذا التحول في مواقفها.
كما أن المشروع الذي جاء بالإتحاد الديموقراطي الوحدوي تم تسخير عضو باللجنة المركزية للحزب الدستوري للقيام به و بمبادرة من السلطة التي دعمت أيضا أحد أقطاب حركة الديموقراطيين الإشتراكيين لتكوين الحزب الإجتماعي التحرري قبل أن تتخلص منه و تأتي بغيره من غير قواعده كما فعلت مع الأمين العام السابق للوحدوي و هي نفس الطريقة التي تم بموجبها تكوين حزب الخضر للتقدم الذي أوكلت مهمة إنشائه إلى الشخصية الثانية في الحزب الإجتماعي التحرري.
قد يكون من المؤسف أن يكون تاريخ ظهور تعدد الأحزاب في بلادنا على هذا المنوال و لكن التاريخ لا يعرف المجاملات و تؤكد كل مراحل وجود هذه الأحزاب منذ ولادتها إلى اليوم الذي نحن فيه حقيقة واحدة وهي أنها ناتجة عن عمليات توالد من نفس الأصل المعتل لم تنفصل تماما عنه بل أنها تحولت في العشريتين الأخيرتين إلى أحزاب تديرها المخابرات مباشرة أو عن بعد و لم يكن الهدف منها سوى الحيلولة دون ظهور أحزاب حقيقية مستقلة من صلب المجتمع تحكم زمام نفسها و تطور ممارستها الديموقراطية الذاتية و تكرس مرجعية منخرطيها في صياغة مواقفها وبناء برامجها و تكون مدرسة للتداول على المسؤولية و لمحاسبة قياداتها و تقدم معيارا لتقييم مدى شفافيتها.
لذلك لم تقم لحد اليوم تعددية حقيقية و لم ينتهي نظام الحزب الواحد و لم تتأسس ظروف التنافس السياسي النزيه و العمل الحزبي الحر داخل الفضاء العام طبق القواعد الديموقراطية. إن الأوهام التعددية التي تروج لها الدعاية الرسمية و ينخرط في تأكيدها بعض الديموقراطيين لا تتعدى الإرهاصات المتعاقبة داخل منظومة الإستبداد لم ترقى لحد اليوم للتأسيس لتعددية حقيقية تبشر بالديموقراطية.
فالحزب المعارض القانوني في واقعنا هو ملك لصاحب الترخيص وإنشائه يتم بمقتضى المأموريه التي منح له الترخيص بهدف إتمامها أو الترتيبات التي وقعت معه على أن ينشط في إطارها. وهو ما يفسر بقائه حارسا وصيا على حزبه مدى حياته. و نكاد نجزم أنه لا يوجد حزب قانوني خرج عن هذه القاعدة لحد اليوم حتى لو كان الترخيص له استجابة لضغوط أجنبية. و هذه الوضعية تجعلنا نجد اليوم صعوبة كبيرة في استجلاء الخريطة السياسية في بلادنا بين أحزاب موالات و أحزاب متخاصمة مع السلطة و بين أحزاب قانونية معترف بها و أحزاب قانونية غير معترف بها و بين أحزاب مرخص لها و أحزاب غير مرخص لها. وهي وضعية خدمت و ستخدم السلطة لأن جوهر الصراع السياسي انحصر حول وضع هذه الأحزاب في علاقتها بالسلطة لأن مفهوم الشرعية نفسه لدى النخب السياسية تحول إلى الإعتراف به من طرف السلطة و لم يرتقي يوما إلى الشرعية الميدانية القائمة على التنافس حول وزنها و تمثيليتها داخل المجتمع. كما أنها وضعية لا يمكن أن تؤسس لتعددية فعلية و لا إلى ديموقراطية حقيقية و لا أن تقود إلى تداول على السلطة و بناء مؤسسات حقيقية و تكريس علوية القانون و المساواة في الحقوق و الواجبات. و حكمت على هذه الأحزاب بالترعرع في شكل تنظيمات هامشية لا صدى و لا سند لها.
إن المقصود هنا ليس الطعن في شرعية المعارضة أو التنقيص من نضال المنتسبين إليها و لكن البحث عن نضرة عقلانية لفهمها ككيان و وزن قابليتها للوفاء بالدور الذي تتقدم بصفتها تلك للمجتمع على أنها قادرة على الإضطلاع به و تجاوز محنة المراهقة المزمنة التي تمر بها.
معارضة نخبوية تكرس الوصاية السياسية
إذا كانت المقصود بالديموقراطية وجود سلطة و معارضة فنحن نملك فعلا نملك سلطة و معارضة. و كما أن السلطة ليست سلطة إلا بالقهر و الإغتصاب فإن المعارضة ليست معارضة إلا بالشعارات و الخطاب. ذلك أن المقصود بالمعارضة ليس إرضاء أصحاب النحل و الأهواء من المثقفين و أصحاب السند المدعومين من المنبتين للشرق و الغرب الذين تتقاذفهم المصالح و المراهنات ولا يعكس تاريخهم ومواقفهم عدى أغرب التقلبات و التناقضات. فالمعارضة قبل كل شيء تعبير عن حقيقة تعددية داخل المجتمع يشترك أفرادها في مصالح و قيم و أهداف يجتمعون على الدفاع عنها لا لغصب حقوق غيرهم و لكن حتى لا تغبن حقوقهم بقدر وزنهم في المجتمع و حتي يكون ذلك كذلك لا يمكن أن تتأسس تعددية إلا من خلال ممارسة ديموقراطية في إطار من الشفافية بحيث تكون كل مجموعة بممارستها مصداقا لما ترفعه في خطابها و مدرسة للديموقراطية الحقيقية لقاعدتها الإجتماعية. و نعرف جميعا أننا اليوم لم نرتقي بعد إلى سياق هذه الوضعية و أن الأحزاب السياسية لا تنبثق عن قواعد اجتماعية و لا من مكونات منسجمة وواضحة. كما أن تجميد الحياة السياسية خلال العشريتين الماضيتين مع ما رافقهما من تغير جذري في بنية المجتمع و اختلال لميزان القوى بين مختلف مكوناته لم يكن القصد منه سوى حرمان الأغلبية من الطبقات الشعبية و الأجيال الصاعدة من الأدوات السياسية اللازمة لها للدفاع عن مكاسبها و حماية مصالحها.
لذلك لم يخرج الخطاب الأخير عن منهج تكريس الوصاية السياسية للسلطة على المجتمع و تشبث بوسائل التحكم في توجيه سير الأحزاب السياسية سواء كانت حزبا حاكما أو أحزاب معارضة. بل أن كل الإجراءات السياسية المعلن عنها جاءت دعما لهذا المنهج و تفعيلا لهذه الوسائل و ذلك ليس بقصد دعم الممارسة الديموقراطية و إنما للتصدي لعودة ظهورها و ذلك بتمكين أعوانها من وسائل أكبر للعمل بما يدعم مركزهم في وجه كل رموز حقيقية قد تعترضهم داخل تنظيماتهم. و لعله من المفيد التنبيه هنا إلى أن الديموقراطية لا تتحقق بقرارات رئاسية و لا بمراسي و قوانين و إنما بالممارسة الفعلية التي تعكسها تصرفات المجموعات المنظمة في إدارة شؤونها من خلال شفافية و نزاهة القواعد التي تحتكم لها في مختلف أوجه عملها. و لا يختلف الوضع بينها سواء كانت جمعيات أو نقابات أو أحزاب. لذلك فإن حالة الإستبداد قائمة أساسا بسبب غياب تكريس مثل هذه الممارسة المناقضة لوجود لوجود الإستبداد من أصله.
لا نستغرب مواقف أحزاب "المعارضة" التي أسسها نظام السابع من نوفمبر أو طوعها لمسانده احتكاره للسلطة و تدعيم استبداده إذ لا غرابة أن نجد كل أمنائها العامين من الموسمين بأرفع الأوسمة التي لا تمنح إلا لرجال هذا النظام[4] و لكننا نستغرب مواقع الأحزاب الأخرى سواء من خلال صمتها أو نبرة ترددها و هي لا تخفي توهمها أن مضاعفة المنحة المسندة لها قد يساعد على تدعيم وسائل عملها و أن توسيع حصتها في البرلمان سيزيد من حضورها و هي مواقف جعلت الكثيرين لا يرون في تجديد حركة التجديد لا يختلف في شيء عن تغيير عهد التغيير.
إننا لا نشك لحظة في أن أقصى انتصار يمكن أن نحققه على الدكتاتورية عن طريق معارضة على هذا المنوال لن يتعدى الفوز بتجديد عقد إيجار لمقر حزب الأستاذ الشابي أو بطاقة عبور للأستاذ النوري لا بفعل ضغط المساندة الشعبية و لكن بتدخل الوساطات الخارجية في حين يبقى رموزها يصفعون و يجرون في الشوارع كاللصوص و المنحرفين حتى ينتهي بهم الأمر إلى الإنفصام أو الهجرة و مخاطبتنا عبر الفضائيات.
همجية و مجانية صورة العصا لا تختلف عن بؤس و تخلف طبيعة الجزرة التي يلوح بها الإستبداد للطامعين من عطايا و مواقع[5] ليحولهم أعيانا و وجهاء في مجالسه و خططه. لذلك تبدو لنا تلك القراءات المنافقة لخطاب العشرينية لا تعبر عن عجز عن استيعاب حقيقة المرحلة و قراءة معالم الإستراتيجية و إنما مؤشرات ترنح تسبق السقوط تكاد حروفها تذوب من سيلان لعابها وسيبقى أصحابها مهما ارتووا تائهين في صحراء لا تنتهي أمواجها.
13 نوفمبر 2007
الهوامش :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.