عاجل: النجم الساحلي يرفض إستقالة زبير بية    النادي الإفريقي يحقق فوزه الأول في البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات بثلاثية نظيفة على فتيات العيون الكويتي    تونس باش تولّي تنتج أمّهات الدواجن    مدنين: الدورة الثانية لملتقى الثقافات بجربة تبحث في مجال التنوع الثقافي كمصدر للتجديد والابداع    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    رجل أعمال يغتصب قاصرا ويتسبب في حملها!    صادم: 25% من التوانسة بش يمرضوا بالسكّري    عاجل: أخصائية تحذّر التوانسة...''لمجة صغيرك فيها 13 طابع سكر''    لتحسين النوم.. هذه الفترة اللازمة لتناول المغنيزيوم    للتوانسة: الأفوكادو والمنڨا صاروا في نابل!    عاجل/ البريد التونسي يُكذّب هذه الشائعة المُنتشرة على مواقع التواصل    "غزة في عيون تونس" مبادرة فنية تشكيلية لتفعيل دور الفن كوسيلة للمقاومة    الكشف عن إخلالات وتجاوزات في تنظيم العُمرة.. #خبر_عاجل    للتوانسة: شوفوا وين وصل مشروع الباسبور وبطاقة التعريف البيومترية؟    السبيخة: صياد يصيب طفلا بطلق ناري على وجه الخطأ    بطولة العالم للتايكوندو: إنسحاب فراس القطوسي وعائشة الزغبي من المسابقة    درة ميلاد: قطاع النقل الجوي فوّت على السياحة فرصا كبرى وخاصة في الجنوب التونسي    قضية التآمر1: عميد المحامين يرفض المحاكمة عن بعد ويطالب بعلنية الجلسة    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    عاجل في تونس: تخصيص ألف مسكن لمنظومة ''الكراء المملّك'' في 2026    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    أحدهم كان في طريقه للجزائر.. القبض على اثنين من عصابة متحف اللوفر    بالفيديو: مروى العقربي تُعلن ارتباطها رسميّا    عاجل : النادي الإفريقي يعلن عن تعليق فوري لعضوية محمد الشافعي بسبب بهذه التجاوزات    خطير: نصف الأرصفة في العاصمة "مُحتلّة"!!    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    سليانة: تلقيح أكثر من 50 ألف رأس من الأبقار ضد الحمى القلاعية والجلد العقدي    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    عاجل/ الإطاحة بمروّع النساء في جبل الجلود    المعهد العالي للبيوتكنولوجيا بباجة أول مؤسسة تعليم عالي في تونس تتحصل على الاشهاد الاول وطنيا في نظام ادارة البيئية    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    شوفوا أحوال الطقس : تقلبات جوية بداية من ليلة الخميس    البطولة العربية للأندية النسائية لكرة اليد: 4 أندية تونسية في الموعد    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    زواج إليسا ووائل كفوري: إشاعة أم حقيقة؟    فيروس ''ألفا'' ينتشر في تونس: أعراض تشبه ل''القريب'' وماتنفعش معاه المضادات الحيوية!    صحة التوانسة في خطر: حجز عُلب طماطم ''منفوخة''    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    خبراء يحذرون: هذه الأطعمة يجب ألّا تُحفظ في باب الثلاجة    تحطم طائرتين تابعتين للبحرية الأمريكية وسقوطهما في بحر الصين    الكاميرون: قتلى في احتجاج قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة    كيف سيكون طقس الاثنين 27 أكتوبر؟    هيئة أسطول الصمود تكشف عن مصير تبرّعات التونسيين.. #خبر_عاجل    ابتداء من اليوم: الصيدليات الخاصة توقف العمل بصيغة "الطرف الدافع" للأمراض العادية    هجمات بمسيّرات تستهدف العاصمة الروسية.. وإغلاق مطارين    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الدفعتين الأخيرتين للجولة الحادية عشرة    سلسلة فيفا لدعم كرة القدم النسائية - المنتخب التونسي يحقق فوزا عريضا على نظيره الليبي 16-صفر    ترامب يغادر ماليزيا إلى اليابان بعد مراسم وداع مميزة في مطار كوالالمبور    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    دعوة لتوجيه الدعم الى زيت الزيتون    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    رئيس الدولة يستقبل التوأم الفائزتين في تحدي القراءة العربي بيسان وبيلسان..    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: مفترق الطرق
نشر في الشروق يوم 01 - 09 - 2011

نقف هذه الأيّام في منزلةٍ بين منزلتين: بين عيدٍ «مضى» هو أوّل الأعياد التي تحييها تونس من دون طاغية، وعيدٍ «منتَظَر» هو أوّل انتخابات يأمل التونسيّون أن تكون نزيهة. من ثمّ قد يجوز لنا استحضار سؤال المتنبّي: «عيدٌ بأيّة حال عدتَ يا عيدُ؟» كنايةً عن سؤال الثورة عمّا تحقّق من وعودها وعمّا لم يتحقّق، حتى الآن.
والحقّ أنّ ما تحقّق ليس بالشيء القليل.
على الصعيد النفسانيّ اخترق الوجدانُ العامُّ جدارَ الخوف، وتغيّرت نظرة المواطن إلى السلطة ورموزها ومؤسّساتها، وشرع التونسيّون في تذوُّق طعم الحريّة الحقيقيّة، وفي الإحساس بأنّ على النظام أن يكون في خدمتهم وليس العكس.
على الصعيد الثقافيّ بما يتضمّنه من أبعاد فكريّة وتربويّة استعادت أسئلةُ الخيارات شرعيّتَها وحلّ التعدّدُ محلَّ الأحاديّة وتخلخلت طابوهات كثيرة.
على الصعيد السياسيّ فرّ الطاغيةُ وقُبِضَ على جزءٍ من منظومته وظهر فجأةً ما كان مقصيًّا من رصيد الطاقات السياسيّة الشابّة والمخضرمة التي كان النظام يقمعها ويهمّشها.
على الصعيد الاقتصاديّ فُضِحَ جانبٌ من البنية المافيوزيّة واتّضح جانب كبير من معوّقات التنمية من خلال الوقوف على مآزق الاقتصاد وثغراته الحقيقيّة بعيدًا عن ماكياج الديماغوجيا الرسميّة وعن أقنعة الفساد المُمَأْسَس.
على الصعيد الاجتماعيّ تكوّنت لُحمة ضدّ العدوّ المشتَرَك واستطاع المجتمع تعويض غياب الدولة وكانت الثورة صدمةً دراماتيكيّة أتاحت الصلح بين «الوجه» وجانب من «صورته» المغيَّبة، فعاد الاعتبار على مستوى الخطاب إلى جزءٍ من الجهات المنسيّة والمهمّشين والعمل المدنيّ.
إلاّ أنّ ما لم يتحقّق ليس أيضًا بالشيء القليل.
على الصعيد النفسانيّ تحوّل الخوفُ السابقُ إلى نوع من «الخوف الهجوميّ» تحسُّبًا من المستقبل. وهو ما يؤكّده تفشّي ظاهرة استعجال «الغنيمة» واغتنام فرصة غياب الدولة لاختزال الحريّة في الانتصاب فوضويًّا في كلّ مجال، لا فرق في ذلك بين من يبني كشكًا ومن ينتصب ثوريًّا وحيدًا أو مناضلا أوحد. وهو ما يمثّل نوعًا من «الاجتراء» على قواعد العيش معًا، وهذا جزء من نفسيّة الاستبداد. وهل الاستبداد إلاّ نسفٌ لقواعد العيش معًا عن طريق الانتصاب الفوضويّ وانتحال الصفة؟
على الصعيد الثقافيّ، ومع استثناءات تُذكَر فتُشكر، لم تقطع النخبة السياسيّة بما يكفي مع تهميش البعد الفكريّ وتغليب التكتيك على الرؤية الإستراتيجيّة. من ثمّ استمرارُ تهميش المثقّفين وغيابُ الجدل الحقيقيّ وغلبةُ الحسابات السياسويّة على المشهد وشروعُ طابوهات جديدة في الحلول محلّ القديمة.
على الصعيد السياسيّ سقط الطاغية لكنّ منظومته لم تسقط لا بالشكل المطلوب ولا بالمضمون المطلوب. رحل المستبدّ لكنّ الاستبداد لم يرحل تمامًا بل ظلّ يتجدّد في جزء من الخطاب وفي جانبٍ من الذهنيّات والآليّات ومن خلال عدد من الفعلةِ الجدد، وهو ما يُبرهن عليه التحازُبُ الشرس وإيقاعُ المحاسبة البطيء ووضع القضاء المحيِّر والتعاملُ الأمنيّ المُثير وتلوُّثُ جزءٍ من الخطاب السائد بالكثير من مظاهر التخوين والإقصاء واحتكار الحقيقة وبذاءة الخطاب الاستبداديّ.
على الصعيد الاقتصاديّ تأزّم الوضع وهو أمر مُتوقّع في مثل هذه الظروف. إلاّ أنّ ما هو غير متوقّع أن تُعالَج المسائل بأيدي مسبّبيها! فلا خلخلة حقيقيّة لكتلة رأس المال المافيوزيّة ولا تغيير لمركز الثقل الاقتصاديّ، ممّا ينذر باستمرار جوهر منظومة الفساد وأسس الرؤية التنمويّة القديمة.
على الصعيد الاجتماعيّ بدت اللُّحمةُ هشّةً وقفز إلى السطح تباينٌ مكبوت، بعضُه بفعل فاعل وأكثرُهُ بسبب عدم توجيه رسائل عاجلة بالقدر الكافي إلى الجهات المنسيّة وإلى الثوّار الحقيقيّين المحرومين والمُهمّشين. وقد أحبطَ هؤلاء أن يروا الفقر يواصل الاحتشام بينما الثراء الفاحش يمشي الخيلاء بوقاحة. وزادهم إحباطًا تبجُّح المال السياسيّ وقصورُ الاستعارات المُتداولة عن احترام ذكائهم وأحاسيسهم. ممّا دفع البعض إلى التصرّف وكأنّ العدوّ الواحد المشترك قد تفتّتَ وأصبح له أكثر من رأس وليس من وسيلةٍ لمواجهته غير الاصطفاف البدائيّ.
بعض هذه السلبيّات طبيعيٌّ بالنظر إلى ما يتطلّبه الانتقال إلى الديمقراطيّة من مرانٍ ووقت. إلاّ أنّ الكثير من هذه السلبيّات ناشئ عن التجاذب القائم بين من يريدها ثورةً حقيقيّة سلميّةً مقتصدةً في الدم، ومن يريدها مجرّد عمليّةِ «شدّ جلدة».
من ثمّ تعويلُنا على الانتخابات القادمة كي تكون خطوة أولى حقيقيّة تخرج بنا من هذه المنزلة بين المنزلتين في اتّجاه الثورة لا في اتّجاه الثورة المضادّة.
وأيًّا كان الأمر فإنّ من الجائز الردّ على سؤال المتنبّي بأنّ هذا العيد جاء بما مضى وبالجديد في الوقت نفسه. إلاّ أنّ هذا الجديد هشٌّ حتى الآن ويحتاج إلى تعقُّل الجميع كي يشتدّ عوده وكي يعبر مفترق الطرق، وتلك أصعب المراحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.