تعليق نشاط منتدى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية لمدة شهر    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تندد بالإرتفاع المشط لإسعار اللحوم الحمراء    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    لجنة فلسطين في البرلمان العربي تبحث مستجدات الأوضاع وتدعم جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في غزة    جندوبة: افتتاح الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأثر البيئي بجامعة جندوبة    المنظمة التونسية لارشاد المستهلك تؤكد ضرورة احترام الالتزامات القانونية لمسدي خدمات العمرة    دراسة علمية صادمة : العمل لساعات طويلة يؤثر على دماغك وعلى صحتك النفسية    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    تونس باش تولّي تنتج أمّهات الدواجن    صادم: 25% من التوانسة بش يمرضوا بالسكّري    لتحسين النوم.. هذه الفترة اللازمة لتناول المغنيزيوم    للتوانسة: الأفوكادو والمنڨا صاروا في نابل!    السبيخة: صياد يصيب طفلا بطلق ناري على وجه الخطأ    "غزة في عيون تونس" مبادرة فنية تشكيلية لتفعيل دور الفن كوسيلة للمقاومة    بطولة العالم للتايكوندو: إنسحاب فراس القطوسي وعائشة الزغبي من المسابقة    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    رئيسة جامعة النزل: قطاع النقل الجوي فوّت على القطاع السياحي عدّة فرص    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قضية التآمر1: عميد المحامين يرفض المحاكمة عن بعد ويطالب بعلنية الجلسة    عاجل/ زبيّر بيّة يستقيل من رئاسة النجم الساحلي    عاجل في تونس: تخصيص ألف مسكن لمنظومة ''الكراء المملّك'' في 2026    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    بالفيديو: مروى العقربي تُعلن ارتباطها رسميّا    خطير: نصف الأرصفة في العاصمة "مُحتلّة"!!    عاجل : النادي الإفريقي يعلن عن تعليق فوري لعضوية محمد الشافعي بسبب بهذه التجاوزات    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    سليانة: تلقيح أكثر من 50 ألف رأس من الأبقار ضد الحمى القلاعية والجلد العقدي    عاجل/ الإطاحة بمروّع النساء في جبل الجلود    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    المعهد العالي للبيوتكنولوجيا بباجة يتحصل على الاشهاد الاول وطنيا في نظام ادارة البيئة    شوفوا أحوال الطقس : تقلبات جوية بداية من ليلة الخميس    البطولة العربية للأندية النسائية للكرة الطائرة: برنامج مباريات اليوم    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    زواج إليسا ووائل كفوري: إشاعة أم حقيقة؟    عاجل/ البرلمان يحدّد موعدا لعقد جلسة استماع لوزيرة المالية    فيروس ''ألفا'' ينتشر في تونس: أعراض تشبه ل''القريب'' وماتنفعش معاه المضادات الحيوية!    سرقة مجوهرات من متحف اللوفر : أحدهما كان متجهاً إلى هذه الدولة العربية    صحة التوانسة في خطر: حجز عُلب طماطم ''منفوخة''    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    البطولة العربية للأندية النسائية لكرة اليد - اربعة اندية تونسية في الموعد من 1 الى 9 نوفمبر المقبل بالحمامات    الكاميرون: قتلى في احتجاج قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة    كيف سيكون طقس الاثنين 27 أكتوبر؟    هيئة أسطول الصمود تكشف عن مصير تبرّعات التونسيين.. #خبر_عاجل    تحطم طائرتين تابعتين للبحرية الأمريكية وسقوطهما في بحر الصين    مفاعل نووي في السماء.. روسيا تطلق صاروخا لا يُقهَر    ابتداء من اليوم: الصيدليات الخاصة توقف العمل بصيغة "الطرف الدافع" للأمراض العادية    هجمات بمسيّرات تستهدف العاصمة الروسية.. وإغلاق مطارين    سلسلة فيفا لدعم كرة القدم النسائية - المنتخب التونسي يحقق فوزا عريضا على نظيره الليبي 16-صفر    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الدفعتين الأخيرتين للجولة الحادية عشرة    ترامب يغادر ماليزيا إلى اليابان بعد مراسم وداع مميزة في مطار كوالالمبور    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    رئيس الدولة يستقبل التوأم الفائزتين في تحدي القراءة العربي بيسان وبيلسان..    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: في الوثوب والركوب والحرقان بالمقلوب
نشر في الشروق يوم 30 - 06 - 2011

صرخ «أرْمِيَا» باكيًا أمام خراب القدس: «آهِ لو أستطيع أن أصنع من دموعي أسنانًا للوردة»! صرخة تجد صدًى لها في نفسي اليوم وأنا أرى وردة هذه الثورة الممكنة تتناهشُها الأنياب من كلّ جانب. وكأنّها غنيمة جاهزة للوثوب أو مطيّة صالحة للركوب أو أرض لا تلين للبعض إلاّ محروقة.
تلك هي أضلاع المثلّث الذي أطبق علينا قرابة ربع القرن. «وثب» بن علي على السلطة و«ركبت» عصابات النظام، وبينما كان جزء منّا «يحرق» إلى الخارج بحثًا عن جرعة من الأوكسجين، كان جزء آخر «يحرق بالمقلوب»، لغويًّا وفكريًّا وثقافيًّا، أو إلى الداخل السحيق، ولا جواز له غير «بطاقة هويّة» لا يريد الانتباه إلى أنّ صورته فيها لم تعد تمثّله.
ثمّ خُلِع الطاغية وظنّ البعض أن أضلاع مثلّثه تفكّكت. فإذا الظنّ يخيب. وإذا مسلسل الركوب والوثوب و«الحرقان» متواصل. في هذا السياق أضع كلّ ما نراه اليوم من تأزيم للمرحلة الانتقاليّة، وتهديد للانتخابات، وتعنيف للمثقّفين، وتقسيم للتونسيّين بين مؤمنين وكفّار وسلفيّين وحداثيّين، بينما المرحلة واستحقاقاتها أعمق وأهمّ من ذلك بكثير.
ليس الأمر صراع هويّات فشعارات الكلّ تتغنّى باحترام عروبة تونس وإسلامها وشعارات الكلّ تتغنّى بالعقلانيّة والحداثة. ولو كان الأمر صراع هويّات لسهل علينا التمييز بين من يتّخذ الجذور قيودًا تشدّ إلى الماضي ومن يصنع منها أجنحة تحلّق نحو المستقبل. لكنّه صراع سياسيّ يختطف الهويّات رهينة للتغطية على غياب المضامين والمشاريع.
«في الهمّ ما تختار»! هكذا تقول عبارتنا العاميّة البليغة إصرارًا من الوجدان العامّ على التفاؤل. ولعلّ عزاءنا الوحيد في هذا الذي تمرّ به بلادنا أنّه يكشف لنا عن حقيقة أنّنا نتهجّى الديمقراطيّة ونتلعثم بها، وأنّ علينا بذل جهد كبير قبل الحصول على المُعدّل الضروريّ للنجاح في امتحانها!
ثمّة شرخ قائم بين الشعارات والممارسة، يتحمّل الجميع جزءًا من المسؤوليّة عن تفاقُمه. شرخٌ أثبت التاريخ أنّه ليس في صالح أحد، وأنّه علبة باندورا سرعان ما تطلق شرورها في وجه من بادر إلى فتحها. كما أثبت التاريخ أنّ رجال الدولة الحقيقيّين يظهرون في مثل هذه المراحل، ليتميّزوا بوضوح عن المزايد الديماغوجيّ والانتهازيّ المحض والمستبدّ المتربّص.
حاول الاستبداد على امتداد عقود صَبَّ الشعب في قالب الرأي الواحد، والحزب الواحد، والحاكم الواحد، والثقافة الواحدة. لكنّ الجانب الأهمّ من هذا الشعب ظلّ يتمرّد على القالب، دون أن يجد لتعدّده البدائل الكافية، أو لنقل، دون أن تستقرّ هذه البدائل على أرض الواقع والوجدان، كي تتحوّل إلى ثقافةٍ تعدّديّة في كنف التلاحم الذي لا يعني التماثل ولا يعني الأحاديّة، وفي كنف الاختلاف الذي لا يعني التناحر ولا يعني الاحتراب.
ألجم الاستبداد الأفواه وعطّل الجدل وضيّق الخناق على الفكر والإبداع. ثمّ جاءت الثورة، أو لنقل الفرصة الثوريّة، فكشفت المستور وفضحت الفائض الإقصائيّ والضمور الديمقراطيّ لدى كثيرين، فإذا الشروخ عميقة، وإذا الوحدة أكثر هشاشة ممّا كان البعض يتوقّع، وإذا أمور كثيرة تدفع إلى الخوف من أن تُجهض الفرصة ولا تفضي إلى ثورة حقيقيّة.
أظهرت الثورة ما كانت العقول والقلوب تضمر (مع احترام الاستثناءات): الرغبة في الانتصاب مرجعيّةً فكريّةً أو فقهيّةً أو سياسيّةً أو وطنيّةً أو ثقافيّةً واحدةً وحيدةً، يقابلها العجز عن الحوار والتواصل، العجز عن الاختلاف في كنف الاحترام، العجز عن الاعتراف بالآخر. وهو في النهاية عجز لا ينمّ عن تقدير للذات بقدر ما ينمّ عن احتقار لها.
في ضوء هذا القصور الديمقراطيّ، ليس غريبًا أن تتفشّى المزايدات وأن تبقى شعارات الحريّة والكرامة والحقوق والقانون والمؤسّسات، شعاراتٍ فضفاضة، دون دماء الشهداء التي أريقت في سبيلها ودون معاناة المناضلين من أجلها.
الثورة انتصار للحريّة والمساواة والعدل والكرامة، وقصاص من الجرائم الاستبداديّة عن طريق إعلاء القيم الإنسانيّة واحترام القوانين المتحضّرة وإجراء المحاكمات العادلة. وهي أيضًا اعتناق للتعدّد والاختلاف، واعتراف بأنّ الحقيقة ليست حبْسًا على أحد. ولا فرق في هذا السياق بين التخوين والتكفير على الولاء، لمجرّد الانتصاب وطنيًّا وحيدًا أو مسلمًا وحيدًا أو حداثيًّا وحيدًا أو مناضلاً وحيدًا أو بريئًا وحيدًا.
وكم أتمنّى أن ينصت محترفو السياسة إلى نبض هذا الشعب وإلى مناضلاته ومناضليه بالفكر والساعد، كي يفهموا قبل فوات الأوان أنّ الإقصاء هو الإقصاء سواء تمّ تعميمه باسم المستبدّ أو باسم الثائر، وأنّ الاستبداد هو الاستبداد سواء تمّ تبريره باسم الطاغية أو باسم الثورة، وأنّ الحسبة هي الحسبة سواء تمّ إجراؤها باسم الدين أو باسم الدنيا.
صرخ «أرْمِيَا» باكيًا أمام خراب القدس: «آهِ لو أستطيع أن أصنع من دموعي أسنانًا للوردة»! فأجابه «باث» بعد قرون: «حين تكون الوردة بلا أسنان فإنّ الجميع يأكلها حتّى الفراشة». أمّا أنا فأقول: علينا أن نجعل من الحريّة واحترام الآخر المختلف أسنانًا للوردة، وردة الثورة، كي لا تذبل قبل أن تتفتّح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.