بقلم: مجيد سعيد (وطني حر) هكذا يصرخ اليوم المواطن التونسي المقهور الذي ثار من أجل كرامته ومن أجل عزته وعزة وطنه، ثار من أجل أن يتمتع بحقه في العمل لأن العمل من أهم مقومات الكرامة والنخوة، ثار من أجل أن يقول كلمته في بناء بلاده ومن أجل أن يساهم في إرساء أركان دولة ذات سيادة ومكانة معتبرة بين الدول، ثار على النظام الاستبدادي الغاشم الذي كان يمثله المخلوع وزبانيته. وها هو اليوم وبعد ثورته وبعد كل ما قدمه من تضحيات يجد نفسه مهمّشا مرة أخرى تائها لا حول ولا قوة له، محاصرا بين الذئاب المكشّرة عن أنيابها تتربص به في كل لحظة تسعى للانقضاض عليه، ذئاب مفترسة لا هم لها إلا التمزيق والنهش في كيانه. ذئاب آدمية تدفعه دفعا إلى مربع الانتخابات، انتخابات كما تريدها هي وكما خططت لها، انتخابات على شاكلة انتخابات بورقيبة والمخلوع. نعم الانتخاب واجب مقدس وحق وعلى كل مواطن توفرت فيه كل شروط الانتخاب أن يمارس هذا الحق في كنف الحرية والشفافية وأن يؤدي هذا الواجب في جو من الطمأنينة بعيدا عن التوترات والضغوطات ولكن ما يعيشه المواطن التونسي اليوم ومنذ أكثر من سبعة أشهر من غموض وضبابية وتسويف ومماطلات من طرف الحكومة «المؤقتة» ومسرحيات قضائية كلها مؤشرات لا تبشر بخير. طالب الشعب الثائر بالكرامة والحرية السياسية وها هو اليوم يرزح من جديد تحت القهر والاستبداد وطالب بتحسين العيش وها هو اليوم يئن تحت وطأة التهاب الأسعار ويعاني التجويع المتعمّد. طالب الشعب الثائر بالشغل ليحفظ كرامته ويحقق فرحة حياته وحياة أبنائه ولكنه لم يجد من ذلك شيئا بل ازداد فقره وتفاقمت بطالته والحكومة المؤقتة تعدُ ولا تفي. طالب بمحاسبة رموز الهلاك والفساد من التجمعيين الذين مازالوا يرتعون في البلاد طولا وعرضا عابثين بالمؤسسات العمومية نهبا وإفسادا والحكومة «المؤقتة» لا تحرك ساكنا وكأن شيئا لم يكن وكأن ثورة لم تلق برأس العصابة إلى الربع الخالي. ومن المطالب العاجلة للشعب الثائر محاسبة المجرمين الذين قتلوا من شباب الثورة ما قتلوا ولكن لا أحد أستمع إليه بل كذّبوه وقالوا «ليس هناك قناصة». وطالب بقضاء مستقل قادر على محاكمات عادلة وإعطاء كل ذي حقّ حقه ولكن هذا لم يحصل فكانت محاكمات بعض عناصر العصابات المفسدة هزلية عبثية كلها استخفاف بحق الشعب وامتهان لكرامته، المطالب الحياتية للمواطن التونسي كثيرة وكم كان يتمنى أن تتحقق له بعض هذه المطالب ولكن شيئا من ذلك لم يحصل. أبعد كل هذا الاستخفاف والمماطلات والتسويف يودون من المواطن المقهور أن يسارع بالتسجيل في قائمات الانتخاب؟ فهل من قتل ابنها أو زوجها ستجد القوة وتقصد مكاتب التسجيل؟ وهل من يتضوّر جوعا سيشعر بالرغبة في الذهاب إلى مكاتب التسجيل؟ وهل من يرى جرذان التجمع الفاسدين وهم مازالوا ينخرون البلاد سيقصد مكاتب التسجيل؟ ومهما اجتهدت الهيئة المستقلة للانتخابات في الدفع بالمواطنين إلى مراكز التسجيل ومهما تفننت في الاشهار لذلك ونوعت اللقطات الاشهارية المتعلقة بالموضوع حتى عن طريق من ناشد الرئيس المخلوع للانتخابات 2014 ومهما حسست بأهمية الانتخاب وهو هام مصيري سوف لن يهتم الجائع المحتاج بالتسجيل وسوف لن يشعر المواطن المظلوم بوجود مكاتب تسجيل وسوف لن يعير المواطن المقهور اهتماما للتسجيل ولا للانتخابات مادامت حقوقه مسلوبة منه ومادام مهددا في لقمة عيشه وإذا لم تعجل الحكومة المؤقتة بمعية الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والأحزاب بتحقيق الضروري من أهداف الثورة ومستحقات الشعب والعمل الجدي على تهيئة الأرضية السليمة للوصول إلى انتخابات صادقة نزيهة شفافة معبرة عن أغلبية الناخبين فإن الناخب سوف لن يهتم بالتسجيل وحتى إن سجل فسوف لن يقصد صناديق الاقتراع يوم الاقتراع لأنه جائع مهمش مقهور. الشعب المقهور يصرخ اليوم ويقول: «يا من دستم على حقوقي وتجاهلتم أوجاعي ومآسيّ يا من ركبتم صهوة ثورتي ونصّبتم أنفسكم أولياء أموري يا من تهرولون إلى الكراسي وتناسيتم حقوقي المشروعة! إني أصرخ وسأمضي في الصراخ مكرها متحسرا متألما: «واللّه لو خرجتم من جلودكم ما عرفتكم وما اعترفت بكم وما وقفت ذات 23 أكتوبر أمام صناديقكم إلا إذا..».