طالما لم يقع تفعيل اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي المبرمة بتاريخ 6 أفريل 1983 حتى ولو أدى الأمر إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية عند رفض تنفيذها من طرف المملكة السعودية مثلما أشرت إلى ذلك في مقالة نشرتها جريدة «الأنوار» التونسية بتاريخ 9 جويلية 2011. وطالما تواصلت محاكمات الرئيس السابق غيابية مع إحالات وهنة توفّر مخارج عدة للمتهم مثلما سبق وان أشرت إلى ذلك بمقالة منشورة بجريدة «الشروق» التونسية بتاريخ 4 جويلية 2011. وطالما وهو الأهم، لم يقع تحريك قواعد وإجراءات الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية لضمان جلب الرئيس السابق لمحاكمته، فإن ما وقع وما سيقع يبقى تهدئة للخواطر ودرءا للعتاب. غير أنه ما شدّ انتباهي هو رواج أفكار مفادها انه في صورة حصول الرئيس السابق على الجنسية السعودية أو حصوله على اللجوء السياسي فإن ذلك سيكون عائقا حاسما للمحاكمة بتونس والحال أن الحقيقة والقانون الدولي يذهبان خلاف ذلك لذلك نقول إنه لا الحصول على الجنسية السعودية أو أي جنسية أخرى ولا الحصول على اللجوء السياسي بإمكانه أن يكون عائقا أمام تسليم الرئيس السابق لمحاكمته بتونس لأن رابطة الجنسية يجب أن تكون رابطة فعلية وليست عرضية (أولا) ولأن الحصول على اللجوء السياسي هروبا من قضايا حق عام لا عمل عليه (ثانيا). أولا رابطة الجنسية يجب أن تكون رابطة فعلية وليست عرضية تحكم الجنسية وطرق اكتسابها قاعدتان: قاعدة رابطة الدم jus sanganis وقاعدة رابطة الأرض jus solis ومعنى ذلك أن هناك دول تعتمد رابطة الدم لاكتساب الجنسية، مثل تونس، فيكفي أن يكون والدك أو والدتك تونسية حتى تتحصل على الجنسية التونسية في حين هناك دول أخرى تعتمد على رابطة الأرض، مثل فرنسا، إذ يكفي أن تلد على الإقليم البري أو الجوي أو البحري الفرنسي لتتحصل على الجنسية الفرنسية. ونظرا لاختلاف قواعد اكتساب الجنسية باختلاف الدول نجد أن بعض الأشخاص يمكن أن يتحصلوا على ثلاث جنسيات في يوم واحد إذ يكفي أن تلدك والدتك التونسية وهي راكبة على سفينة أمريكية تبحر في المياه الإقليمية الفرنسية حتى تتحصل على الجنسية التونسية بوصفك ابن أم أو أب تونسي كما تتحصل على الجنسية الأمريكية لأنك ولدت فوق باخرة تحمل العلم الأمريكي كما تتحصل على الجنسية الفرنسية لأنك لما ولدت كانت الباخرة تبحر في المياه الإقليمية الفرنسية. فإذا تمعنا في تلك الجنسيات الثلاث نجد وان الجنسية التونسية هي الجنسية الفعلية اما الجنسيتين الفرنسية والأمريكية فهما عرضيتان والارتباط بهمها ضعيف جدا. وهنا نعود الى حالة الرئيس السابق، فإذا تحصل على الجنسية السعودية أو أي جنسية أخرى، فإنه لا وجود لرابطة فعلية بينه وبين جنسيته الدولية التي تحصّل عليها لأن رابطته بها كانت عرضية وليست فعلية وعليه فلا يمكن له ولا للدولة التي منحته إياها التذرّع بها لعدم تسليمه للمحاكمة بتونس. وتكفي الاشارة هنا الى احدى القرارات الشهيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية بتاريخ 6 أفريل 1955 في قضية ما يُعرف فريدريتش نوتبوهم هذا المواطن الألماني الجنسية الذي هاجر سنة 1905 الى غواتيمالا وتحصل على جنسيتها واستقرّ هناك.. وبمناسبة جولة قام بها سنة 1939 بأوروبا، اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 الأمر الذي جعله يستقر بدولة ليشتنتاين بأوروبا والحصول على جنسيتها بوصفها دولة محايدة حتى يحتمي من شرّ النازية وبانتهاء الحرب عاد الى غواتيمالا بأمريكا اللاتينية وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صودرت أملاكه وأطرد منها بسبب تدابير الحرب العالمية الثانية لذلك تدخلت ليشتنتاين لحمايته بوصفه يحمل جنسيتها ورفعت دعوى ضد غواتيمالا أمام محكمة العدل الدولية إلا أن المحكمة رفضت مطلب دولة ليشتنتاين معتبرة أن رابطة الجنسية بينها وبين فريدريتش نوتبوهم رابطة عرضية غير فعلية على خلاف رابطته الفعلية بغواتيمالا. وعليه فإذا وقع أن تذرّعت السعودية أو أي دولة أخرى أو تذرّع الرئيس السابق بالجنسية الجديدة لرفض تسليمه للمحاكمة بتونس يمكن إثارة الأمر أمام محكمة العدل الدولية لأن رابطة الجنسية تلك عرضية وغير فعلية ولغايات سياسية شأنها شأن الجنسية التي تحصل عليها دوس سانتوس لاعب النجم الساحلي الآن وكذلك كلايتون لاعب النجم الساحلي سابقا لتدعيم المنتخب الوطني في تصفيات كأس إفريقيا للأمم سنة 2004. ثانيا لا يعتدّ باللّجوء السياسي للتفصّي من جرائم الحقّ العام اللجوء السياسي حقّ منحته وكرسته جميع الدساتير والمواثيق والأعراف الدولية لحماية المضطهدين السياسيين الفارّين من القمع والانتهاك الفكري والجسدي الذي سيتعرّضون له لو تقع إعادتهم لأوطانهم لذلك يمنع تسليم اللاجئين السياسيين. أما طلب اللجوء للتفصّي من عقوبات ناجمة عن جرائم حقّ عام كالسرقة والاختلاس للمال العمومي والأمر بالقتل واستهلاك وترويج «الزطلة» وحيازته أسلحة وآثار فإنه طلب مردود وحيث أن أي دولة منحته للرئيس السابق فإنه لا عمل عليه. وهنا نعود الى القرار الشهير الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بتاريخ 20 نوفمبر 1950 المعروف بقرار فيكتور راوول هايادي لا توري المواطن البيروفي (البيرو) الذي قام بمحاولة عسكرية فاشلة للانقضاض على السلطة في البيرو فلجأ الى سفارة كولمبيا الكائنة بالعاصمة البيروفية ليما طالبا اللجوء السياسي فتقدمت البيرو بشكوى ضد كولمبيا أمام محكمة العدل الدولية طالبة منها إلزام كولمبيا بتسليم هايادي لا توري فاتخذت محكمة العدل الدولية القرار سالف الذكر مؤكدة على ضرورة أن تثبت البيرو ان مواطنها هايادي لا توري متهم بجرائم حقّ عام حتى تلزم كولمبيا بإخراج هايادي لا توري من سفارتها بليما بالبيرو حتى يتسنّى للقوات البيروفية القبض عليه ومحاكمته. لذلك فإن إثبات أن الشخص طلب اللجوء وقد قام بجرائم حق عام يجعل كل لجوء مقدم له ليس ذي معنى يمكن بالتالي المطالبة بتسليمه للمحاكمة. ختاما يمكن القول بأن تعدّد القضايا ضد الرئيس السابق لا يعني تحقيق العدالة والقصاص إذ يمكن حصرها في قضيتين: جرائم ضد الانسانية والتعذيب وجرائم تبييض الأموال والتي تحكمها جميعا اتفاقيات دولية صادقت عليها تونس، فنبدأ أولا بفرض تطبيق اتفاقية دولية صادقت عليها تونس. فنبدأ أولا بفرض تطبيق اتفاقية الرياض العربية حتى وإن اقتضى الأمر اللجوء الى محكمة العدل الدولية لإجبار المملكة على تسليمه لنمرّ ثانيا الى المحكمة الجنائية الدولية وهذا ما وقع في يوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليوني وكمبوديا. أما المحاكمات الغيابية في ظلّ عدم حضور المتهم، فإنها تبقى صورية ولا معنى ولا طعم لها شأنها شأن البطولة الوطنية لكرة القدم التي دارت بدون حضور جمهور والتي قتلت في الرياضيين تجاهها كل شعور ولم يبق من متتبعيها سوى مراهني البرومسبور خاصة بعدما تمّ إلغاء النزول فنتمنى لذلك الشعور إذ لا وجود لما ينشّط العدالة شبيها للبرومسبور وقد تنتهي المحاكمات في ظلّ غياب المتهم والجمهور. الأستاذ علي الهرابي