من يقول الثورة الفرنسية في الفن التشكيلي يقول لوحة الرسّام الفرنسي «أوجين دولاكروا» (الحرية تقود الشعب) حتى أن اللوحة تحوّلت الى شعار أو رمز للثورات في العالم، مثلها مثل بوستار الزعيم الثوري تشي غيفارا. ويكفي ان ينقر المبحر على الأنترنات على محرّك البحث «غوغل» في الصور ذات العلاقة بكلمة ثورة حتى تظهر أمامه على الشاشة عديد الصور والرسوم التشكيلية من ضمنها لوحة الفنان الفرنسي «دولاكروا» وعديد «البوستارات» عن أشهر الثورات في التاريخ العالمي الحديث. ويتنافس الفنانون العرب وخصوصا في تونس ومصر منذ مطلع الربيع العربي على تقديم أفضل الرسوم والابداعات التشكيلية عن الثورتين التونسية والمصرية على غرار ما أبدعته ايادي رسامي الثورة الفرنسية وما أنتجته الثورات اللاحقة البولشيفية والصينية والكوبية من رسوم و«بوستارات» تحوّلت في ما بعد الى شعارات ورموز للثورة في العالم. الثورة الفرنسية وتعدّ الثورة الفرنسية (1789) من أكثر الثورات التي ألهمت الفنانين التشكيليين الفرنسيين وقتها، فقاموا برسم أحداثها في مئات اللوحات الفنية من أشهرها لوحة «الحرية تقود الشعب» للرسام أوجين دولاكروا (17891863)ولوحة «10 أوت» لبيرتو (17471819) ولوحة «انتصار العدل» للرسام لوي جان جاك دورامو (17331796) ولوحة «عيد الجمهورية للرسام جاك لوي دافيد (17481825)... وتحمل هذه اللوحات الى جانب العنصر الجمالي فيها عنصر التوثيق، خصوصا وأن الصورة الفوتوغرافية لم تكن متوفّرة وقتها اذ لم يقع اكتشافها بعد. كما تحمل هذه اللوحات والبوستارات التي أنتجتها الثورات اللاحقة مثل الثورة البولشيفية والثورة الثقافية في الصين، مواقف صريحة لأصحابها سواء كانوا مع الثورة او ضدّها. الثورة الروسية ومثلما كان للثورة الفرنسية رسوما ولوحات عبّرت عنها انتجت الثورة البولشيفية (1917) بدورها رسوما ولوحات وبوستارات كثيرة وشهيرة ولكن بأسلوب فني مختلف ومواقف أحيانا متناقضة إذ ظهرت في بداية القرن العشرين مدارس فنية جديدة مختلفة عن المدرسة الكلاسيكية او المدرسة النيوكلاسيكية (الكلاسيكية الجديدة) التي كانت مستعملة زمن الثورة الفرنسية ومن هذه المدارس الجديدة وقتها الواقعية والواقعية الجديدة والتأثير او الانطباعية. كما فرض لينين خلال العشرينات خطا فنيا جديدا عرف بالواقعية الاشتراكية. نشط التشكيليون الروس وقتها بشكل كبير في المدرسة الانطباعية بحثا عن متنفس للحرية، اذ رغم الدعم المالي الكبير الذي خصصته الدولة الحديثة وقتها للفنانين والتشكيليين بالخصوص بافتتاح اول متحف للفن الغربي (1919) لم يكن التشكيليون الروس أحرارا في ما يرسمونه او يبدعونه اذ كان الهدف السامي وقتها بالنسبة الى الفن هو الدعاية للثورة وهكذا ظهرت آلاف البوستارات الفنية الدعائية للثورة وزعاماتها مثل لينين وستالين.. وقوبلت هذه الحركة بأخرى مناهضة ليس للفن الدعائي فحسب وإنما للثورة ذاتها.. وقاد هذه الحركة فنانون كثيرون فيهم من عايش الثورة وهجر البلاد مثل مارك شاغال الذي استقرّ في فرنسا وأبدع عشرات اللوحات من أشهرها، لوحة الثورة. الثورة الثقافية في الصين ولم تختلف الحركة التشكيلية في الصين مع قيام ما يعرف بالثورة الثقافية (1966) عن الحركة التشكيلية الروسية إبان الثورة البولشيفية إذ ظهر ما يعرف بالبوستير الدعائي للثورة الثقافية وزعيمها ماوتسي تونغ. وحتى الرسم فهو لم يخرج كذلك عن المنحى الدعائي للثورة الثقافية. كما قوبلت هذه الحركة بأخرى مناهضة كما هو الشأن في روسيا إبان الثورة ولكن المناهضين وخصوصا داخل الصين ظلت إبداعاتهم مجهولة وممنوعة من العرض سواء داخل البلاد او خارجها. وحتى حملة «المائة وردة» التي دعا اليها ماوتسي تونغ من أجل حرية التعبير، ونقد الحزب، كانت بمثابة الفخ الهدف منه الايقاع بالمثقفين والمبدعين المناهضين للحزب. تشي غيفارا وخلافا للثورتين الروسية والصينية اللتين قوبلتا بنقد شديد للجمهما حرية التعبير، وجدت الثورة الكوبية (1959) أنصارا عديدين في العالم. كما ألهمت الفنانين وخصوصا التشكيليين لإبداع أجمل الأعمال الفنية لعل من أشهرها البوستير الشهير للزعيم الثوري الكوبي الأرجنتيني، تشي غيفارا. وقد ظل هذا البوستير الى اليوم شعارا ورمزا للثورة في العالم، ليس لكونه يحمل اسم او صورة تشي غيفارا فحسب كزعيم ثوري له تاريخ نضالي كبير، وإنما لما في الصورة او البوستير من جمالية أبدعها موهبة المصوّر الفوتوغرافي الشهير ألبير توكوردا مصوّر غيفارا. وتظل الثورات والزعماء الثوريون دوما مصدر وحي وإلهام بالنسبة الى الفنانين والتشكيليين بالخصوص يرسمون ما قد لا يراه الانسان العادي ولذلك تظل أعمالهم إذا كانت صادقة وعانقت الابداع خالدة في الأذهان ويمكن ان تتحول الى رموز وشعارات في كل الأماكن والأزمان.