عن الأخ الصديق الزميل الناصر الرابعي قال: «خرجت مع صحب لي لإجراء تحقيق حول الوجوه الضاحكة في تونس العاصمة ذات زمن عزت فيه الضحكة. وغاب فيه الابتسام وانقرضت الفرحة وأعيانا البحث في الأنهج والشوارع والأزقة والساحات ولم نعثر على أية بسمة على أي وجه إلى أن وصلنا أمام قصر العدالة حيث اعترضنا كهل هو إلى الشيخوخة أصيل وأقرب يضحك ملء شدقيه وصدره وجنبيه تدفعه الفرحة إلى حيث يدري ولا يدري حتى خيّل إلينا أنه مجنون أو هو زائر من كوكب آخر غير كوكبنا لذلك رأيناه «طائر بالفرحة» يرنو إلى العودة إلى كوكبه السعيد. هدّأنا من روعه إلى أن ثبّت قدميه على الأرض ثم سألناه عمّا يضحكه ويفرحه.. قال: اليوم صدر لفائدتي حكم انتظرته أربعة أعوام أرقتني لياليها الطويلة الحالكة وأيامها المرّة السوداء. ففهمنا أن المسكين لم يضحك ولم يبتسم ولم يفرح طيلة تلك السنوات العجاف الأربع ثم أطلق رجليه للريح مهرولا ضاحكا وتركنا نضحك لا فرحا ولا سرورا وإنما على ذاك الزمن الكلب». اليوم أنا بدوري أهيم على وجه الأرض أبحث عن وجه ضاحك من أعماق صاحبه وكأني أبحث عن إبرة في رمال الصحراء. فلم أجد للضحكة دليلا يريني إياها إلا ذاك المثل الشعبي القائل: «إذا تحب تفرح ضيّع بهيمك ولقاه». ربما كان ذلك في ذاك الزمن الذي كان يقال فيه لكل من ينشر ضحكة الفرح «يرّاك تغدى والبهيم يروّح».. فهلا يكون زماننا هذا من ذاك الزمان يا صبي؟ الألمان يقولون في أحد أمثالهم الشعبية: «السرج المذهب لا يجعل من الحمار حصانا». فلماذا لا نضحك لماذا لا نبتسم»؟ اضحك وابتسم يا أخي «كثر الهم يضحك».