انطلق الموسم الدراسي الجديد في جو مفعم بالأمل ولكنه يشوبه الخوف من أن يركب أعداء ثورتنا المباركة صهوة العنف فيفسدوا لنا أبهى عرس عائلي يؤسس لمستقبل أبنائنا. ومع تمنياتنا بأن يعود الرشد الى هذه الفئة التي تريد الاساءة للوطن تعود الحياة المدرسية، فيفرح التلميذ بلقاء أقرانه ويسعد المربون باستئناف نشاطهم ويتعب الأهالي ولكن برضاء تام وابتهاج كبير نتيجة كثرة المصاريف التي نرجو من السادة الأساتذة والمعلمين أن لا يثقلوها بطلباتهم التي لا تقدر عليها حتى الأسر متوسطة الدخل. في هذا العرس الاجتماعي الكبير تستعيد الحياة حراكها، فالحافلات والقطارات ستكتظّ والنسيج التجاري والخدماتي سيستعيد عافيته وستستفيق المدن والقرى والأرياف من سباتها. في الركن المنسي في هذا اليوم الأغر ينهض الجميع باكرا وتلتقي مختلف الأطراف ويتذكر التلاميذ ذكريات الصيف والعام الدراسي المنقضي وتستعرض الذاكرة أعمال كل طرف ماعدا طرف وحيد بقي في الركن المنسي، إن المربي المتقاعد الذي له ذكريات نصف قرن مع أول يوم من افتتاح السنة الدراسية بين دراسة وتدريس لا أحد يتذكر في هذا اليوم معاناته، فأغلب المربين وخاصة بالمدارس الابتدائية عملوا بمدارس ابتدائية يوم لم يكن بها لا نور ولا ماء. ويوم كانت المناطق تفتقد الى مسالك فلاحية مهيئة والى وسائل نقل ويوم كان المعلم لا يجد الرغيف اليابس يعد مذكراته ويصلح كراساته على ضوء قازة تنفث دخانا يؤلمه ولم يكن يطالب بمنحة الريف. وكان يقضي عطله في البحث عن المراجع رغم ندرتها في حين يجد مربي اليوم كل شيء جاهزا. الى سيادة الوزير لقد عشتم الظروف الصعبة لمعلمي الأمس يوم كنتم أمينا عاما في الثمانينات، هؤلاء الذين احترقوا كالشموع ليضيئوا على الآخرين والذين كانوا يصرفون من قوت أبنائهم لاقتناء هندام يليق بمقامهم وشراء مستلزمات التدريس ولم يكونوا يحصلون على منحة العودة المدرسية كما يحصل عليها جيل اليوم، وكنا كمربين متقاعدين ننتظر أن تشملنا هذه المنحة للتعويض على ما صرفناه بالأمس وحتى نتمكن من المحافظة على هيبتنا كمربين أم أن إحالتنا على التقاعد تفرض علينا ارتداء رثّ الثياب فهل من ردّ للاعتبار للمربين الذين خدموا الوطن وأخلصوا له خاصة وقد جبلنا على تربية ناشئتنا على الوفاء والاعتراف بالجميل أم أن من كان ينادي بالوفاء والاعتراف بالجميل ينكرون له الوفاء والجميل؟