سيجد 277 ألف ناخب من قابس أنفسهم امام 47 قائمة انتخابية منها 25 قائمة حزبية تمثل أربعة تيارات على الأقل تتجاذب المشهد السياسي في ولاية قابس وتخلق جوا من التنافس رغم ما تميزت به الأجواء السياسية بالجهة من هدوء نسبي لم تعكره الا حادثة او اثنتان وانتهتا بعودة الوئام بين ممثلي الأحزاب. وفي انتظار البت في الطعون المقدمة من المتنافسين فإن 47 قائمة انتخابية بين قائمات حزبية ومستقلة وائتلافية ستتنافس على 7 مقاعد في دائرة قابس وحسب المعطيات الرسمية فقد بلغ عدد الناخبين بالولاية 277 الف ناخب سيتوجهون يوم 23 اكتوبر الى 498 مكتب اقتراع ويمثلون 166 مركزا بكامل معتمديات الولاية. وكما هو معلوم، تنقسم القائمات المترشحة بين أحزاب معروفة بنضالها وأسبقيتها التاريخية وأخرى نعتت بالكرتونية في ظل العهد السابق وأحزاب جديدة رأت النور مباشرة بعد ثورة 14 جانفي البعض منها سليل التجمع المنحل، مع قائمات مستقلة تساهم في تثبيت المسار الديمقراطي. غياب التوتر بين الأحزاب الثورة أفرزت في قابس مشهدا جديدا تتميز به جهة قابس، لعل من أبرز سماته قبول مختلف التيارات والحركات والحساسيات وخلو المشهد السياسي من التوترات الناتجة عن صراعات حزبية، فقابس لم تسجل إلا حادثة او اثنتين تجسم الخلاف بين الأحزاب تم تطويقها بصورة فورية وسلمية ونذكر منها التشويش على بعض الأحزاب لدى اجتماعاتها العامة او اعتراض حزب على مجاورة حزب آخر له في مقره وهي حادثة لم تتكرر في الجهة وتم تطويقها وتسويتها سريعا من مناضلي مختلف الاحزاب في حركة أثبتت ان الصراع السياسي لم ينزلق بأصحابه خارج البعد المدني والصراع السياسي النزيه. ورغم اختلاف المرجعيات والمنطلقات السياسية، فإن كل المؤشرات توحي من الآن أن الانتخابات في قابس ستكون سلسة وبعيدة كل البعد عن التشنج، وقد نشطت الاحزاب السياسية على اختلاف مشاربها بكل حرية، وقدم البعض منها برامجه وتصوراته بين حضور تراوح بين المكثف والمحتشم ، فبعض هذه الاجتماعات العامة انتظمت بالملاعب الرياضية والنزل السياحية، وبعضها الآخر اكتفى بفضاءات المقرات في انتظار انطلاق الحملات الانتخابية التي ستشكل فرصة لاستقطاب الناخب .. وبالرغم من غياب التشنج والصراعات المعلنة بين الأحزاب، يتوقع الملاحظون أن تكون نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع محدودة لعدة اعتبارات أهمها الجانب الأمني الهش والخطاب الاعلامي الذي لا يتجه في أغلبه إلى مشاغل أبناء قابس، لذلك فقد لا تتجاوز نسبة المشاركة حسب بعض الملاحظين ربع الناخبين وفي أفضل الحالات ثلثهم. الأحزاب القديمة في الصدارة ومن المنتظر كذلك حسب المتابعين أن ينحصر الصراع بين ثلاثة او أربعة تيارات متنافسة هي «النهضة» والاحزاب الدستورية بكافة اتجاهاتها والحزب الديمقراطي التقدمي والأحزاب القومية بمختلف انتماءاتها. الأحزاب الوطنية التي ظهرت بعد الثورة بعضها تنقصه التجربة، فخوضها للعملية الانتخابية لأول مرة جعل بعضها يركز على وسط المدينة ومعتمدياتها القريبة وهو توجه قد لا يكون مثمرا خاصة ان بعض المعتمديات تتمتع بثقل ديموغرافي هام كمعتمديتي الحامةومارث وهو الثقل الذي قد يشكل الورقة الرابحة في الاستحقاقات الانتخابية. أحزاب أخرى انتبهت إلى هذا الثقل ، فتوجهت 7 قائمات كاملة إلى معتمدية الحامة مثلا، وكان بإمكان بقية القائمات الانتباه إلى هذا المعطى الديموغرافي، مما اتجهت احزاب أخرى إلى مارث للسبب ذاته. القائمات المستقلة قد يكون حضور بعضها ضعيفا في انتخابات المجلس التاسيسي لعدة اعتبارات اولها انها ركزت على معتمديات دون أخرى بما يفقدها الزخم الجماهيري وثانيها ان اغلب المشاركين يفتقدون إلى التجربة السياسية وتعوزهم الإمكانيات المادية والانتشار الواسع في الولاية وهذا لا يمنع ان بعض القائمات المستقلة المنبثقة او القريبة من الأحزاب قد يكون لها وزن وقد تحدث المفاجأة... حظوظ مختلف القائمات الحزبية متقاربة من هنا يمكن القول إن حظوظ مختلف القائمات المتنافسة متقاربة وخاصة منها القائمات الحزبية فلا يبدو ان قائمة ما ستحظى بأغلبية ساحقة للأصوات لاسباب مختلفة لعل اهمها ان الشروط الانتخابية لم تعط الفرصة لاي قائمة كي تفوز بأغلبية مطلقة. وعموما عندما نستقرئ أسماء رؤوس هذه القائمات سواء الحزبية منها او المستقلة نجد ان اغلبهم لم تتح لهم الفرصة للمشاركة سابقا وهو ما حد من إشعاعهم وحصول الإجماع حولهم لاستقطاب الناخبين والسبب كما هو معلوم هو النظام السابق الذي لم يكن يسمح للناشطين السياسيين بالعمل و يكبلهم و ينكل ببعضهم، بل إن هذه الملاحظة تنسحب حتى على الناشطين بالجمعيات الأمر الذي حد من بروز أسماء أو كفاءات او زعامات يمكن ان تؤثر او تستقطب الناخب . وحتى ننهي الحديث عن القائمات المستقلة، نقول إن التنافس بينها لن يكون ساخنا نظرا إلى تقارب وضعياتها و إشعاعها باستثناء الأسماء المرشحة التي سبق للبعض منها الانتساب إلى بعض الأحزاب القديمة التي تتمتع بمرجعية تاريخية ونضالية وهو ما سيمنحها تعاطفا ومساندة شعبية. تشظي أصوات الناخبين «النهضة» التي ينتمي مؤسسها إلى قابس وتحديدا معتمدية الحامة هي من الأحزاب التي تشد الناخب الذي سيجد نفسه متذبذبا بين قائمات مترشحة لا يعرف جيدا برامجها ولا صدق نواياها في ظل الصراعات التي تبرز من حين إلى آخر في الملفات التلفزية التي لا تحظى هي الأخرى بنسبة متابعة كبيرة في قابس باعتبار أن ممثلي الأحزاب لا يتناولون قابس في تدخلاتهم الحوارية ونقاشاتهم السياسية. وإذا كان للمال السياسي دور معروف في الانتخابات ، فإنه في قابس لن يكون هكذا باعتبار «أخلاقيات الجهة« وترفع أهلها عن بيع ذممهم وأصواتهم، وهو ما نؤكد عليه على لسان الأهالي أنفسهم برفضهم أن يكونوا شهود زور او ان يرهنوا مستقبل البلاد في أياد لا يثقون فيها خاصة ان لهم تجربة مريرة مع الإقصاء والتهميش طيلة خمسين سنة لمواقفهم السياسية بداية من وقوفهم الى جانب اليوسفيين في عهد بورقيبة ثم موقفهم المساند لحركة «النهضة» في عهد بن علي وما تلاها من محاكمات ومضايقات وتشريد لبعضهم بل ان من بين أهالي قابس من نفذ عليه حكم الإعدام في ظروف غامضة لم يمنح فيها حقه في الاستئناف وتدخل المنظمات الحقوقية ومن هنا فلن يكون تأثير المال السياسي الا محدودا جدا ولن يكون حكما في الانتخابات مهما بلغ طغيانه وقوته. تمثيلية مختلف المعتمديات والحضور النسائي هناك عنصر مهم آخر سيكون محددا للمشهد الانتخابي نلخصه في المعتمديات او تمثيلية مختلف المعتمديات لان بعض هذه القائمات لا يخرج عن معتمدية أو اثنتين بل ان بعضها لا يخرج عن عائلة واحدة وهو ما يحد من استقطاب عدد الناخبين في المعتمديات الأخرى وخاصة المعتمديات ذات الكثافة السكانية العالية. كما ان شرط توفر العنصر النسائي في العملية الانتخابية حد من حرية القائمات المترشحة، حتى ان بعض القائمات اضطرت إلى ترشيح بعض النساء دون اقتناع كبير بالجدوى، لكن الشرط الانتخابي فرض مبدأ التناصف الذي لم يجد صدى طيبا في قابس.