بعد رحلة علاج استمرت ثلاثة أشهر في السعودية فاجأ الرئيس اليمني علي عبد اللّه صالح أمس اليمنيين بعودته إلى البلاد في الوقت الذي كانت فيه أغلب التوقعات تتوقع عدم عودته... فلماذا عاد صالح الآن... وكيف عاد... ومن «طبخ» قرار عودته؟ ثم هل مازال صالح «صالحا» فعلا؟ تثير عودة الرئيس علي عبد اللّه صالح في هذا التوقيت بالذات سيلا من التساؤلات وتفتح بابا واسعا أمام عديد التأويلات والاحتمالات والسيناريوهات. لكن يبقى من الصعب إن لم نقل من المستحيل استبعاد «اليد الأمريكية» في هذه العملية... ذلك أن الولاياتالمتحدة عملت على امتداد الفترة الماضية على الامساك بكل خيوط اللعبة في اليمن وشنّت ما يمكن وصفها ب«الحرب الديبلوماسية» الضارية من أجل عدم انفلات الأوضاع من بين يديها... وفي هذا الاطار لم تكتف بإسداء تعليمات الى حليفتها السعودية لاحتضان «صالح» وإكرام وفادته وتوفير كل مستلزمات علاجه بل إن مسؤوليها لم يمانعوا حتى في زيارته والاطمئنان على صحته وتعاملوا معه وهو في السعودية التي وصلها إثر ثورة شعبية عارمة مناهضة لنظامه، على أنه الرئيس الشرعي لليمن! الادارة الأمريكية التي تتظاهر زورا وبهتانا بأنها تقف إلى جانب الشعوب ضدّ الاستبداد والقمع والتي تتباهى برفع راية الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وجّهت «طعنة» قاتلة لكل هذه القيم النبيلة حين صرّح أحد مسؤوليها في سفارة أمريكا باليمن في جويلية الماضي بأن عودة صالح ضرورة لانفراج الأزمة السياسية في اليمن مع أنه كان هو السبب الرئيسي للأزمة... وأمريكا نفسها تدرك هذه الحقيقة ولكنها رمت بها عرض الحائط لأنها تتعارض مع مصالحها في هذا البلد... وليس غائبا عن أحد في الواقع الأسباب أو على الأقل جانبا منها وراء مثل هذا الموقف الأمريكي المتواطئ مع نظام صالح ضد الثورة اليمنية رغم أن هذه الثورة كانت من أنبل الثورات التي عرفتها المنطقة. ولعلّ من بين هذه الأسباب تحديدا أن الثورة اليمنية لم تكن تحمل «اللون السياسي والايديولوجي» الذي تفضله الولاياتالمتحدة والذي من شأنه أن «يغريها» بالوقوف وراء هذه الثورة حتى النهاية وإن كان ذلك يفسح المجال أمام تدخل حلف شمال الأطلسي لأن هذه الثورة كان عمودها الأساسي من «الاسلاميين» الذين يقودهم بعض من تشتبه فيهم واشنطن بالانتماء الى القاعدة. ... وبالتالي كان هذا العامل كافيا بالنسبة الى الولاياتالمتحدة كي تتحرك بكل ثقلها من أجل إجهاض هذه الثورة واغتيالها في المهد لاسيما في ضوء التقارير الاستخبارية الأمريكية الأخيرة التي تقول بأن «قاعدة اليمن» هي التنظيم الأقوى بين كل «التنظيمات» الأخرى في العالم... ثم إنه هناك عامل آخر لا يجب اغفاله في هذه الحالة والمتعلق أساسا ب «التمثيل الحوثي» في الثورة اليمنية والمتعارف عليه أن الحوثيين هم ذراع إيران في اليمن وهم أيضا «العدو اللدود» لنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح... وبالتالي فإن إعادة صالح إلى الحكم من شأنها أن تساعد الولاياتالمتحدة في قطع هذه الذراع وفي محاربة «القاعدة» التي تعهد صالح لحلفائه الأمريكان ببذل الغالي والنفيس من أجل مواجهة هذا التنظيم...ولم يتردد لهذا الغرض في فتح سماء اليمن أمام مقاتلاتهم لتطارد عناصر «القاعدة» متى تشاء... وكيفما تشاء... «شاء من شاء... وأبى من أبى»...ومقابل هذه «الخدمة» عملت أمريكا ب «القاعدة» نفسها وأعادت صالح إلى الحكم «شاء من شاء وأبى من أبى» فما دام علي عبد الله صالح قادر على أن يتكلم «لغة المصالح الأمريكية» أكثر من البقية... فهو مازال إذن يمتلك «الصلوحية» ولتذهب الثورة إلى الجحيم... واليمن إلى التقسيم ولعمري هذا هو أخطر سيناريو يهدد اليمن اليوم بعد عودة صالح.