أيّة محددات لصياغة الدستور في مرحلة الانتقال الديمقراطي؟ هذه الاشكالية بحثتها الندوة التي نظّمها مركز الكواكبي للتحوّلات الديمقراطية والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات أمس بمشاركة خبراء قدّموا تجارب دولهم.وأكّد رئيس اللجنة التنفيذية لمركز الكواكبي محسن مرزوق أن صياغة الدساتير ليست مجرّد كتابة نصوص تشريعية وقانونية، بل إن الدستور هو تكثيف لحالة تسوية سياسية وثقافية وتاريخية وحضارية وقانونية بين مجمل مكوّنات الأمّة.وأوضح مرزوق أن التسوية هي لحظة تثبيت الوفاق، وأن البحث عن التسوية في المرحلة الانتقالية التي تتسم عادة بالتوتّر، يبقى أمرا صعبا.وأكّد مرزوق أن ثقافة التسوية وثقافة الحوار هي الأساس المنهجي لصياغة الدستور.وفي مداخلة حول «تعزيز الشرعية الدستورية في تونس بعد الثورة» اعتبر رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي عياض بن عاشور أن المشكل يتمثّل في أن صياغة الدستور وتعزيز الشرعية لابد أن يخضعا لمبدإ وثقافة الحوار والتفاوض، وهذا يتنزّل بين التسوية والخلاف ويمكن الاصطلاح عليه بثقافة التعاقد.وقال ابن عاشور إن تعزيز الشرعية يتلخّص في ثلاثة مستويات وهي أهدافها ومنهجيتها ومبادئها.فأهداف تعزيز الشرعية الدستورية حسب ابن عاشور، هي في الحقيقة أهداف الثورة لأن المجلس التأسيسي سيأتي لتحقيق أهداف الثورة وستكون مهمته استكمال مهمة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي سيتم حلّها بمجرد اجتماع المجلس التأسيسي، وهذا المجلس سيأخذ المشعل عن الهيئة. ولكن مشعل الشرعية التامة وسيادة الشعب.وهذه الأهداف هي أيضا القطع النهائي مع النظام الاستبدادي والقطع الكلّي مع التهميش والقهر الاجتماعي،والدستور سيكون وسيلة للوصول الى هذا الهدف.وأكّد ابن عاشور أن المطلوب اليوم هو أن يتفوّق المجتمع على الدولة بعد أن كنّا في فترة تتفوق فيها الدولة على المجتمع، فبهذه الطريقة يكون القطع مع الاستبداد ونضمن سيادة الشعب وحقوقه وحريّاته.وبخصوص منهجية صياغة الدستور أكّد ابن عاشور أن الدستور ليس مجلّة قانونية، ولابد خلال صياغته من توخّي الاختصار والاقتصار على الأهم، إذ ينبغي ألا يتجاوز 80 أو 90 فصلا ولابد من توخّي سبيل التبسيط. فالدستور حسب ابن عاشور هو وثيقة يجب ان تكون في متناول الجميع أي يسهل على الجميع قراءتها وفهمها، ولابد أن يقطع الدستور الجديد بصفة صارمة ونهائية مع المنوال الدستوري القديم ولكن يجب ان يكون مرتبطا بتاريخ تونس.أما عن المبادئ فلابد أن يتفق حولها الجميع، وأشار ابن عاشور الى اتفاق مختلف الفرقاء في هيئة تحقيق أهداف الثورة رغم الخلافات على عدّة وثائق مثل العهد الجمهوري الذي نصّ على بعض المبادئ المتفق عليها من قبل الجميع، ومنها مدنية الدولة بمعنى الفصل بين الدين والعمل السياسي، وديمقراطية الدولة، مؤكدا أن دستور البلاد لابد أن يدعم هذا الاتجاه العام نحو الديمقراطية التي من أجلها اندلعت الثورة.واعتبر ابن عاشور أن اعلان الدستور لا يكفي لتجاوز حالة الفساد والافساد التي خلفها النظام السابق، إذ لابد من بنود وفصول تحمي الأموال العمومية من الرشوة والفساد.وأكّد ابن عاشور ضرورة إرساء دولة قانون ومؤسسات أو ما سمّاها دولة الحق والقانون، مشيرا الى ضرورة انشاء هيكل خاص بذلك يشمل جميع المؤسسات التي تنظر في شؤون الدولة (دستورية القوانين وشرعيتها وحسن التصرّف في الأموال العمومية).وتحدّث أستاذ القانون المدني والخبير الأممي ياش غاي عما سماها عولمة أو دولية مسارات صياغة الدستور في المرحلة الجديدة. ورأى غاي أن النصوص الدستورية معقدة ولابد من مشاركة الخبراء والمحامين في صياغتها اضافة الى الاستعانة بالخبرات الدولية، فالمسألة حسب غاي، هي مسألة تنسيق بين الكفاءات لصياغة نص متناغم. وأكّد غاي ضرورة ألا يكون الدستور آلية للتحكم والسيطرة. وقال الخبير الألماني فيليب دان من جهته إنه من الضروري تحديد صلاحيات المجلس التأسيسي مقترحا نقل جلسات المجلس عبر الاذاعة والتلفزة. وأشار دان الى أهمية دور المحكمة الدستورية في تنفيذ وتفعيل الدستور وعدم الاقتصار على وضع الدستور كنص لوضع سياسي. وشدّد الخبير الألماني كارلوس كلوزا من جانبه على أهمية الاستفتاء وأن يتم تركيز محكمة دستورية لحماية المبادئ الديمقراطية.