بعد أكثر من خمسين عاما من الجفاف والقحط السياسي، يدخل التونسيون، اليوم الخامس للحملة الانتخابية التي ستقود إلى تأمين مجلس وطني تأسيسي، يوم الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري. هذا المشهد الجديد، وعماده الحرية في أجلى مظاهرها، هي نتاج طبيعي للثورة. ثورة الشعب التونسي، التي تدفع بالمجتمع إلى الأمام، هي التي قلبت الموازين، وأمّنت هذا المشهد الانتخابي، الذي نعيش اليوم الأسبوع الأول للحملة الانتخابية التي تدوم ثلاثة أسابيع.. وهذا المشهد، لا نراه خاليا من بعض الشوائب والرواسب منها ما هو متعلق بعقلية الماضي، حيث عمل النظامان، نظام بورقيبة ونظام بن علي، على تكميم الأفواه، ونفي الصوت الآخر للسلطة. سلطة تداخلت فيها الإدارة بالحزب الواحد الحاكم، وانتفت فيها الشفافية، وحق الاختلاف والنقد.. مظاهر، قد تكون معزولة، إن هي كفّت بين اليوم وغدا، ونقصد ظاهرة تقطيع اللافتات والمعلّقات الخاصة بقائمات الأحزاب والمستقلين من الأماكن المخصصة لها.. وفي هذا، سؤال حيرة، لا بدّ أن يتملّك الجميع: هل نعمل جميعا، بحق، على التقدم بتونس، وإدراجها في مسار التاريخ، أم أننا نريد من هذه الثورة العظيمة، أن تتراجع وتتوارى أهدافها خلف الوعود الكاذبة والبراغماتية الملفوفة بالاستخفاف بالإنسان كمواطن؟ إن الاعتقاد الذي ساد لدى التونسيين، بعد ثورة 14 جانفي الماضي، هو أن وفاقا حدث بين كل التونسيين، حتى نتّجه جميعا نحو حلّ توافقي، لكنه حلّ ينبع من أسس ديمقراطية، ونقصد مجلسا وطنيا تأسيسيا، يصدر دستورا جديدا للبلاد، يكون بمثابة العقد بين كل التونسيين، فيه ضمانة للحرية والديمقراطية والتفريق بين السلطات. مظاهر تمزيق المعلّقات التي تتضمن دعاية سياسية، أثناء الحملة الانتخابية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخدم أي جهة أو حزب أو قائمة، فهي مظاهر تقصم ظهر الديمقراطية، إن نحن ارتضينا الديمقراطية أساسا للمشهد السياسي التونسي القادم.. إن الأحزاب والتيارات والحركات السياسية، المنخرطة في هذا المسار المؤدي إلى انتخابات مجلس وطني تأسيسي، تتحمّل مسؤولية تأطير الجماهير الشعبية، والتصدي لمثل هذه المظاهر.. فالذين يمزّقون اللافتات بدعوى أن الديمقراطية كفر مثلهم مثل الذين يمزّقونها أيضا، بدافع التراجع بتونس.. وجميعهم يدخلون في خانة أعداء تونس المتقدمة... تونسالجديدة، التي تجعل المواطن منخرطا في الشأن العام، عن وعي.. إن الأحزاب والتيارات السياسية اليوم، مطالبة بأن تجعل من الاختلاف حقا مقدّسا، لا عقبة يجوز رفعها.. فهذه كلمة حق يراد بها باطل.