ليس صحيحا ما يشاع هنا أو هناك من أن الشعب التونسي غير معني بالمشهد السياسي الذي تؤثثه اليوم ولمدة واحد وعشرين يوما الحملة الانتخابية التي انطلقت غرة هذا الشهر... ويُعتبر مجانبا للواقع القول بأن التونسي ومن كثرة عدد الأحزاب يتملّكه عزوف عن الفعل السياسي قد يؤدي به الى العزوف عن انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر الجاري. لكن الحقيقة هي غير ذلك. فمنذ يوم غرة أكتوبر (أي لمدة يومين) أمكن رصد ردّ فعل المواطن التونسي عبر تراب الجمهورية، فهذه أحزاب عدة عرفت حضورا جماهيريا محترما... يكذّب ما كان يحاول النظام السابق إيهام الرأي العام به، من ان الشعب التونسي بعيد عن السياسة والأحزاب، من غير التجمع تماما كما كان نظام بورقيبة يحاول أن يوهم به الجميع... الشعب التونسي معني بالشأن العام. وهو توّاق كما كل شعوب الدنيا الى حياة ديمقراطية فيها الجدل بالفكرة وحق الاختلاف مضمون وحق التنظم لا يمكن تجاوزه... الشعب التونسي معني بالمجلس التأسيسي من حيث أنه مجلس وطني منتخب، سوف تأتي به أصوات كل الناخبين الذين سيتوجهون يوم 23 أكتوبر ويتولى اصدار الدستور الجديد لتونس. دستور، سوف يكون بالضرورة يتماشى ومقتضيات التاريخ... فهل أن الشعب التونسي ممثلا في ناخبيه يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر، سوف يمسك مصيره بيده؟ فكل المظاهر التي أمكن للملاحظين الوقوف عندها توحي أن التونسي يريد أن يعرف... ويتملّكه سؤال الحيرة... ويسعى الى بناء تونسالجديدة، وهو مواطن مشارك في هذا البناء والتصميم... ولكن الحذر الذي يمكن ان يظهر هنا او هناك، يهمّ باعتقادنا الخارطة السياسية التي ستكشف عنها صناديق الانتخابات القادمة. ذلك ان تركيبة المجلس التأسيسي القادم، هي التي ستحدد محتوى الدستور... لذلك فإن المواطن التونسي يعمد الى السؤال والاستفسار، أكثر مما يعمل على التهرّب من استحقاقات تهمّه، مثلما تريد أن تشير اليه بعض التحاليل... الشعب التونسي يؤسس لفترة جديدة جميلة بالتأكيد من حيث أنها تهدف الى اعتماد الديمقراطية وسيلة لبلوغ دولة المواطنة والقانون... والشعب التونسي الذي تعرّضت ثورته الى الغدر منذ القرن التاسع عشر الى ما قبل 14 جانفي يتنادى اليوم من اجل مشهد جديد قد يؤسس، اذا نجح في تأمينه، الى مشهد عربي جديد فيه الانسان ينطلق من جديد من أجل واقع عربي مكانه تحت الشمس... لبلوغ هذا الهدف، لابد أن يعي جميع المتدخلين في عملية الانتخابات حقيقة هامة وهي أن الشعب التونسي اليوم سيد نفسه. وأنه لا خوف عليه لأنه واع وليس في الانعاش، كما تحاول بعض الدوائر التي تريد مصادرة قراره أن تروّج... الشعب التونسي يعرف ماذا يريد...