تداول الشارع السياسي التونسي يوم أمس وكذلك المدونون على الشبكات الاجتماعية خبر «تحذير الخارجية الامريكية رعاياها من السفر إلى تونس وتنبيهها إلى احتمال حدوث اضطرابات في تونس عقب انتخابات المجلس التأسيسي «ماذا يعني هذا التحذير في هذا الوقت بالذات وماهي الاشارات والرسائل السياسية التي ينطوي عليها وهل له علاقة بزيارة السيد الباجي قائد السبسي إلى الولايات المتحدة؟ لنقل منذ البداية إن هذا التحذير لا يرقى إلى درجة توجيه بعدم السفر... وهو لا يعدو كونه توصية إلى الرعايا الأمريكيين الراغبين في السفر إلى تونس (أو حتى المتواجدين فيها للعمل) بتوخي الحذر...وهو اجراء عادة ما تعمل به الإدارة الأمريكية في البلدان التي تشهد اضطرابات سياسية... ويعلم القاصي والداني في بلادنا حساسية وأهمية الموعد الانتخابي الذي تستعد له بلادنا يوم 23 من الشهر الجاري... وهو موعد، وكما لا يخفى على أحد يثير بعض الهواجس والمخاوف حتى لدى بعض التونسيين على خلفية التوجس من بعض أحداث الشغب التي قد تتبع العملية الانتخابية.. وهو تخوف يبقى واردا ويمكن أن يصحب كل عملية انتخابية، لكنه ليس قدرا محتوما وبإمكان التونسيين أحزابا ومواطنين ومكونات مجتمع مدني انجاز انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة تصبح ملزمة لكل الأطراف التي وجب أن تروّض نفسها على احترام حكم صندوق الاقتراع والقبول به كتجسيد للإرادة الشعبية. وبالعودة الى التحذير الأمريكي فإنه ليس الأول ولن يكون الأخير على الأرجح حتى تستعيد بلادنا عافيتها بالكامل وتتمكن من إرساء دعائم الأمن والاستقرار واستعادة هيبة الدولة بالكامل على الأسس والقيم الجديدة التي جاءت بها الثورة. فهذا التحذير هو الخامس منذ 14 جانفي بما يجعله أقرب الى كونه إجراء روتينيا. وبالتمعّن في تفاصيل هذا التحذير نجد أنه ينصح الرعايا الأمريكيين بتجنّب المظاهرات «في صورة عودتها عقب الانتخابات والابتعاد قدر الامكان عن مناطق التوتر وخاصة داخل البلاد».. وإذا نظرنا الى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها حدودنا الجنوبية خاصة على خلفية المواجهات التي دارت وتدور رحاها في القطر الليبي الشقيق وما تلقي به هذه المواجهات من ظلال على المشهد التونسي في الجزء الجنوبي للبلاد بالخصوص فإن هذا التحذير يصبح أمرا عاديا ويمكن أن يشمل رعايا كل الدول الأجنبية وحتى أعدادا من التونسيين الذين يتوجّسون من أحداث شغب تبقى محتملة وإن كانت تبدو غير ذات تأثير بالنظر الى الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها وزارتا الدفاع والداخلية لتأمين الانتخابات وكذلك بالنظر الى وعي شرائح واسعة من الشعب التونسي بضرورة إنجاح هذا الموعد الانتخابي. نأتي الآن الى احتمال وجود رابط بين زيارة السيد الباجي قائد السبسي الى أمريكا وهذا التحذير وإن كان هذا التزامن من قبيل الصدفة أم أنه حمّال لإشارات ورسائل سياسية؟ وللإجابة يمكن الاتكاء على النتائج الطيبة والايجابية التي حققتها الزيارة والتي ترجمتها الحفاوة التي استقبل بها رئيس الحكومة المؤقتة واستقباله من رأس السلطة في أمريكا، كما يمكن الاجابة بالرجوع الى الرهان الكبير الذي تعقده أمريكا على نجاح هذا الموعد الانتخابي في تونس باعتباره أبرز المنادين بنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس.. انتقال تريده الادارة الأمريكية أن يتحول الى نموذج تقتدي به ثورات الربيع العربي.. وسوف يكون عبثيا تخيّل أمريكا التي تراهن على نجاح هذه التجربة تسعى الى إرباكها تزامنا مع زيارة السيد الباجي قائد السبسي.. ثم إن الخارجية الأمريكية التي دأبت على مثل هذا التمشي كلما تعلق الأمر بالتعاطي مع مناطق قد تشهد اضطرابات لا تتحرّك وفق أجندات سياسية بل وفق تحرّيات وتقارير أمنية تستند إلى معطيات ميدانية لا تغفل التحسّن الكبير الذي شهده الوضع الأمني في بلادنا.. لكنها في المقابل تدرك أن الوضع غير مستقر نهائيا مع احتمال عودة أحداث شغب وهو ما يوجب تحذير الرعايا الأمريكيين كما حدث مع هذا التحذير الأمريكي الخامس حتّى الآن.