أفاق الموقع الاجتماعي صبيحة الأمس على مقطع فيديو مذهل تم تصويره مساء أول أمس في قلب ضاحية حلق الوادي، يمثل صورة عملاقة للرئيس المخلوع بابتسامته المعدنية الشهيرة ويده على الجهة اليسرى من القلب، هل عاد بن علي ونظامه ليلا ؟ لحسن الحظ، ذلك ليس سوى مزحة قوية في شكل صدمة إيجابية ونافعة، لم نعرف بعد من يقف وراءها، والقصد منها قوي جدا ونبيل، رغم «الفجعة» التي سببها لعشرات المارة في الضاحية الشمالية ثم في الموقع الاجتماعي. من الواضح أن مجموعة خبيرة في الحملات الإعلامية قد أعدت هذه العملية جيدا، فكانت على مستوى التنفيذ متكاملة وأحدثت التأثير المطلوب وهي الصدمة. فجأة، رأى المارة سواء كانوا على أقدامهم أو في سياراتهم في قلب مدخل ضاحية حلق الوادي صورة عملاقة للرئيس المخلوع مما تعودنا عليه طيلة أعوام حكمه. امتدت الصورة على كامل جدار الحصن الإسباني الشهير مثلما لو كنا في أحد صباحات بن علي النوفمبرية، حيث ذكرتنا ملامحه بصورة الزعيم الأوحد صانع أمجاد الوطن ومالك مصيره وكل شيء فيه من الطقس إلى السنوات الكبيسة والحبيسة. فجأة، توقف الناس، انفتحت أفواههم حيرة ورأينا نظرات الوجوم على ملامحهم، امرأة تضع يدها على فمها كأنها تكتم صرخة، وسائق يعجز عن التقدم بسيارته ثم ينحاز إلى اليمين لتبين مصدر هذه الكارثة، «هل نكتشف فجأة أن الثورة وكل ما حدث ليس سوى مزحة، وأن بن علي قد عاد إلى الحكم ؟» قالت امرأة في مقطع الفيديو من أعماق قلبها: «الله لا يرجعه». دام ذلك المشهد المحير الذي وصفه أحد الناشطين على الموقع ممن حضر المشهد بأنه «مثل أسوأ كوابيسنا» حوالي عشر دقائق. وفجأة، يتقدم العشرات من الأشخاص نحو الصورة العملاقة، يمسكونها من أطرافها ويسحبونها بعنف فتتمزق وتنهار على الأرض، لكي تظهر وراءها معلقة بيضاء جميلة عليها أجمل جملة قد يقرأها تونسي وهو يستعد لأول انتخابات شرعية وحقيقية في تاريخ الوطن بعد أكثر من 65 عاما على الاستقلال: «فيق، الدكتاتورية تنجم ترجع». الحادثة الذي تمت في ثلاثة مشاهد كانت مثل مسرحية واقعية أبطالها المارة دون أن يدركوا أنهم يساهمون في عمل فرجوي قوي. بعد ذلك قرأنا في الموقع الاجتماعي العشرات من التعاليق التي تتحدث عن «رحيل الدكتاتور وبقاء الدكتاتورية كامنة فينا». لكن كل واحد يقرأ بقاء هذه الدكتاتورية على طريقته: البعض يراها في المال السياسي الذي يلوث ضمائر الناس، في قادة الفساد السياسي والمالي الذين ما يزالون ينشطون في السر والعلن في البلاد، في دعوات الفتنة والعنف أيا كان مصدرهما، وحتى في التخلف عن الانتخاب. البعض الآخر لا يجد حرجا في إلغاء خصمه السياسي والدعوة إلى التنكيل به: العلمانيون وبعض اليسار الذي يلغي الإسلاميين، بعض الإسلاميين الذين يعتبرون العلمانية والشيوعية كفرا يستحق إقامة الحد وإهدار الدم. بعد ذلك لا تقولوا لنا إن الدكتاتورية لن تعود.