أن يعلن رئيس دولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تلطخت أيديها بالدماء العربية ووأدت كل المشاريع القومية العربية الثورية وتتحالف عضويا مع رجعيات النفط والإعلام التحريضي والقواعد العسكرية الأجنبية بأنه يريد أن يرى وائل غنيم أحد المرشحين السابقين لجائزة نوبل للسلام وأحد الفاعلين في الحراك المصري الحالي رئيسا قادما لمصر وزعيما مظفرا للمحروسة.. فهذا الأمر مدعاة حقيقية للتفكير العميق ومساءلة اللحظة التاريخية المهمة التي تمر بها أمتنا العربية . وأن تمنح جائزة نوبل للسلام والتي هي في واقع الأمر حكر على كل صاحب أو صاحبة نفس ومنهج سياسي معاد للتحرر من ربقة الإمبريالية الغربية أو على الأقل لمن عرف بتماهيه مع السياسة الصهيو أمريكية في المنطقة العربية من قبيل الصهيوني شمعون بيريز وميناحيم بيغن والإيرانية شيرين عبادي والروسي ميخاييل غورباتشوف.. وصولا إلى كبيرهم الذي علمهم السحر باراك أوباما إلى اليمنية توكل كرمان.. يفرض علينا جميعا كمتابعين لصيرورة تاريخ المنطقة ومتأهبين لمستقبلها أن ننظر جيدا إلى طبيعة الفاعلين صلب احتجاجاتنا العربية . لا، ولم، ولن نطرح هذا السجال من زاوية القدح في نضالات الشباب الثوري العربي وفي التشكيك في حقيقة تضحياته الظاهرة للعيان ولكنّ التقاطع القائم بين سمات من باتوا يعرفون بعناوين الثورة العربية وبين انتظارات ومطامع واشنطن في المنطقة يستوجب السؤال والتساؤل والمساءلة أيضا . ذلك أنه بإمكان أي قارئ أن يلتقط 6 مفاعيل كبرى تحرّك نشاط هؤلاء الثائرين على الأقل : تركيزهم على الشأن المحلي الدائم وقصر تناقضهم مع النظام، دون أن ينسحب هذا التناقض على الشأن الإقليمي بمعنى أن نضالهم منحصر في بوتقة معاداة النظام وليس معاداة الإمبريالية الأمريكيةوالغربية التي احتلت العراق وأفغانستان وتحارب كل نفس مقاوم في المنطقة، وحتى إن تسرب تنديد من هنا وهناك فهو تصريح معاد لبعض السياسات وغير قائم على تناقض عضوي مع الإمبريالية. عدم تحرجهم المبدئي في التعامل مع الولاياتالمتحدة ودعمها إياهم فتوكل كرمان والعهدة على عدد كبير من المصادر ترأس مؤسسة «صحفيات بلا قيود» التي تتمتع بتمويل أجنبي وبدعم قوي ومعلن من السفارة الأمريكية في اليمن، فيما أدار وائل غنيم القسم الإقليمي في شركة «غوغل» وما أدرانا ما «غوغل» لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . اعتبارهم للقضية الفلسطينية قضية إنسانية محضة وفي أحسن الأحوال هي قضية خاصة بالشعب الفلسطيني وليست صراعا وجوديا بين العرب والكيان الصهيوني وصانعيه الغربيين، يفرض أي هذا الصراع التقسيم بين الحلفاء والأعداء ويمحص العدو من الصديق. دعمهم للدور القطري في الأحداث الجارية في ليبيا وسوريا وانخراطها غير المعقول وغير المقبول أخلاقيا وقانونيا وسياسيا ودينيا في حروب إعلامية وسياسية يراد منها إسقاط الأنظمة عنوة وإدخال المنطقة العربية برمتها في سياق ثلاثي يقوم على «التطبيع مع إسرائيل ورهن ثروات المنطقة إلى الغرب وقصم ظهر المقاومة العربية والإسلامية» في لبنان وفلسطين والعراق . قبولهم المبدئي ب«تدويل» الأزمات العربية وبتدخل مجلس الأمن في القضايا العربية وبالتالي حتى وإن كان هذا الأمر غير مترابط عضويا تأييد رهن حاضر ومستقبل المنطقة العربية في يد «أهل الفيتو» . تمثيلهم ل«الشباب الإسلامي» كرمان عضو في مجلس شورى الإخوان الذي يستل من تركيا أردوغان نموذج الإسلام المعتدل والبراغماتية تجاه أعداء الأمة والخطاب الرنان حيال القضية الفلسطينية . حيال هذه المقدمات، تكون أمتنا العربية أمام شباب ثوري جديد بأنماط فكرية حديثة وبمقاربات سياسية حيال العدو والصديق مغايرة تماما عن طبيعة الأعداء الحقيقيين لهذه الأمة.. ولا نكون بذلك إزاء عقلية سياسية نختلف معها حول أولوية الصراع وأدواته ونهاياته وإنما نكون أمام «عقل من عقال» يحاجج عن حقيقة عداء الغرب للأمة العربية . لسنا في وارد اتهام شباب التحرير ولا غيرهم بفقدان بوصلة الصراع الحقيقي والدائم ولكننا في وارد التأكيد بأن الأمة العربية تحتاج إلى حرية وتحرر وإلى استقلال واستقلالية والتشديد بأن كل طرح لا يروم أو لا يقتنع بهذا الترابط الحتمي محكوم عليه بالسقوط تحت ضربات الثورات الحقيقية ..