مثلما صنع وزرع الغرب في أوطاننا العربية أشباه مفكرين ومثقفين ينظرون للاحتلال الجديد ويتشوقون لرؤية عواصمنا العربية تحترق تحت وابل رصاص الحرية وقاذفات الديمقراطية .. حتّى يؤمنوا للقوى الإمبريالية غطاء «ثقافيا» لاستباحة الأوطان والإنسان... تمكنوا من نصب أناس معروفين بنفسهم القومي لأي لا أقول مرجعياتهم العروبية كمنصات فكرية وإعلامية لاستهداف الأمن القومي العربي ول«استحلال» الاستقواء بالأجنبي ولتمرير عملية التمرد العسكري الداخلي صلب الكيانات العربية بدعم أطلسي وغربي مقيت . في زمن المحافظين الجدد والمؤرخين الجدد والإسلاميين الجدد والعثمانيين الجدد والليبراليين الجدد والشيوعيين الجدد والدعاة الجدد, كان لابد من ولادة أو توليد قوميين جدد... ليس فقط لأن الطرف القومي كان ولا يزال خط المجابهة الأقوى في المخطط الغربي الساعي إلى استبدال العدو الصهيوني ب«الفارسي» وتغيير الحليف السوري والعراقي بالنصير التركي والقطري... وإنما لأن نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد مرتبط أساسا باحتوائه وتمثيله لكافة الحساسيات الفكرية والسياسية في المنطقة العربية وأهمها على الإطلاق التيار القومي . في مثل هذه الاستحقاقات الغربية، يستجلب ذات «القوميين» الذين دافعوا عن خيار المقاومة والممانعة في العراق ولبنان وفلسطين المحتلة اقتناعا أو تكتيكا أو تملقا حتّى يستحلوا سيادة أوطان عربية أخرى ويستبيحوا أمنها واستقرارها ويحرضوا الأطلسي على عواصم كانت ولا تزال وستظل الشريان الحيوي للمقاومة العربية والإسلامية . ولو كان دفاع هؤلاء عن المقاومة دفاعا استراتيجيا مبدئيا لما عرضوا الأمن القومي العربي للاستباحة...باعتبار أن تدخل الغرب في الشأن الداخلي لسوريا خاصة ولباقي الدول العربية الأخرى عامّة ليس همّه وهدفه الذود عن حقوق الإنسان المنتهكة والمغتصبة في سوريا وباقي الدول العربية أيضا وإنما قصده إنهاء المقاومة ووأد ثقافة الممانعة عبر السيطرة على رئة المقاومة اللبنانية والفلسطينية وظهر طهران الركين . ولأن الهدف الحالي كامن في إسقاط المقاومة المسلحة خيارا ومشروعا وتفتيت ثقافة المقاومة مرجعية وسياسة - , فتناط بعهدة «القوميين الجدد» جملة من المهام «الفكرية» القذرة وهي على التوالي : ضرب الأساس الفكري القومي القائم على المواءمة بين حرية الإنسان وحرمة الأوطان وذلك عبر «تضخيم» وتأزيم الواقع الإنساني في بعض الأقطار العربية لتقديم المعطى الإنساني على الوطني , والبناء على هذا التشخيص الأعوج والخطير دوليا وعسكريا وسياسيا. حصر الخيارات المطروحة شعبيا بين خيار العيش في «قمقم» النظام البوليسي والاستبدادي أو «الاستنجاد» التكتيكي والذكي بالأجنبي الان صار للاستنجاد بالأطلسي أنواع وأنماط لإقامة أنظمة ديمقراطية , والإيهام بأن كل إصلاح سياسي من النظام لا يخرج عن ثلاثة أمور : إمّا أنه متأخر جدا أو أنه لا محدود أو أنه لربح الوقت والالتفاف على مطالب الشعب . تقديم «عداوة» الشعوب لأنظمتها على العداء للقوى الإمبريالية وحتى الصهيونية والزعم بأن إسقاط الأنظمة عبر الاستعانة بالغرب مقدمة مهمة للاستقلالية من الغرب ذاته الذي ساهم في «التحرير» .. والأصل أن معركة الحرية المحلية جزء لا يتجزء من معركة التحرر من الأجنبي والعكس صحيح , فلا معنى ولا حقيقة لحرية محلية ما لم ترتبط عضويا بتحرر كامل وشامل من القوى الإمبريالية . إسقاط كافة الجوانب الأخلاقية والقومية منها على الأخص في صراع المعارضة مع النظام , فمن حقها أي المعارضة الالتجاء للأسلحة ومن حقها أيضا التعامل مع أعداء الأمة ورهن النفط والبترول ومقدرات الوطن وربط مستقبل الشعب بالقوى الإمبريالية ومن حقها أيضا تضخيم الحقائق ومن واجبها وهنا المفارقة تقديم تنازلات لواشنطن وباريس في حين يحظر عليها تقديم أي تنازل مهما كان نوعه للنظام . رفع الحرج «الأخلاقي» من التعامل مع ثالوث دولي ناصب الأمة العربية العداء وعطّل وحدتها وأجهض مشاريع نهضتها وهو المتشكل في «الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية» .. وكل من لفّ لفّ هذا الثالوث وسبّح بحمده . قدر الثورات العربية أنها كاشفة لنفاق المنافقين ودجل المدجلين المتصدرين لإعلام «الدولار والبترودولار» ولصحافة المخابرات الأمريكية .. سقوط المثقف في أدران السلطة سيّئ ومعيب، ولكن سقوط «المثقف» القومي في لعبة الأمم والدول...كارثة وطامة كبرى... ولذا فقد أن الاوان لكي نقول لهم .. يا من تاجرتم يوما بقضايانا القومية والعربية والإسلامية .. لستم بمثقفين ولا بقوميين...فابحثوا في مسالك المتاجرة بالأوطان عن سبيل يحتوي غيّكم وغبنكم وغباءكم ..