عادت إلى الواجهة التساؤلات حول مفهوم ومهام المجلس التأسيسي وكيفية التعامل مع الملفات الكبرى المناطة بعهدته مثل الدستور الجديد وتركيبة الحكومة، والقوانين والتشريعات والسلط العمومية. وخلافا لما يعتقده البعض لم يسلم المجلس القومي التأسيسي الذي انتخب أعضاؤه في مارس 1956 من هذه النقاشات والإشكاليات والتساؤلات، فقد كان الهدف الأول لبعث هذا المجلس هو إرساء نظام ملكي دستوري لكن كانت الغلبة في النهاية للمطالبين بإنهاء النظام الملكي وإرساء النظام الجمهوري في 25 جويلية 1957 مع تعيين الزعيم الحبيب بورقيبة كرئيس مؤقت في انتظار صدور الدستور. ولادة عسيرة وكانت ولادة دستور 59عسيرة بسبب اختلاف الآراء والتوجهات داخل البيت الدستوري نفسه رغم انتماء كل أعضاء المجلس لنفس «الجبهة» التي كونها بورقيبة قبل الانتخابات وتطلب إعداد دستور جوان 1959 ثلاث سنوات و 3 أشهر توزعت بين إصدار أمر لإنشاء مجلس تأسيسي وبين الحملات الانتخابية إضافة إلى تنظيم الانتخابات والشروع في إعداد وثيقة الدستور التي تطلبت 33 جلسة عقدت بين 1956 و 1959. ويرجع الباحثون في تاريخ تونس الحديث عن هذه الولادة العسيرة إلى أن بورقيبة لمح في عدة مناسبات آنذاك أن هناك قضايا وطنية ذات أولوية وأنه لا داعي للتسرع في اصدار الدستور قبل أن تحسم هذه القضايا ومن أهم هذه القضايا التي عطلت ظهور وثيقة الدستور نذكر الخلاف اليوسفي البورقيبي والخلاف مع مصر والإعتداءات المتكررة من القوات الفرنسية على تونس بدعوى ملاحقتها المجاهدين الجزائريين ومن جملة الأسباب أيضا أن بورقيبة كان يريد قبل التقنين إقامة نظام رئاسي وقوي ذو طابع شخصي ولكن زعماء الحركة الوطنية لم يكونوا في البداية مع بورقيبة وكان البعض منهم يدعو إلى إقامة ملكية دستورية وكان بورقيبة على علم بكل تلك الخفايا فاستفاد من عامل الوقت لتمرير مشروع الجمهورية والشكل الرئاسي للدولة. حوارات موسعة وإلى جانب هذه الأسباب دارت حوارات موسعة حول فصول الدستور سواء التي تهم دين الدولة أو مشاركة المرأة في الحياة السياسية أو طبيعية الحكم أو الجمع بين الجنسية التونسية وجنسيات أخرى أو قضية الشغور في منصب الرئاسة أو الاستفتاء أو حصانة النائب واستقلاليته. والثابت أن إعداد دستور للجمهورية الثانية بعد انتخابات أكتوبر 2011 لن يكون بالأمر اليسير فهناك العديد من القضايا والمسائل التي تتطلب الحسم لاسيما وأن الجميع يدعو إلى تقليب عقلية الوفاق على التصويت داخل المجلس كما أن أعضاء المجلس الجديد مطالبون بضمان الاستقرار الأمني وطمأنة الدول الكبرى وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد والتجارة وتكوين حكومة جديدة وانتخاب رئيس مؤقت ويبدو أن التاريخ سيعيد نفسه هذه المرة وسيضطر أعضاء المجلس مهما أسرعوا في نقاشاتهم إلى تجاوز المدة الزمنية المحددة بعام واحد ويرى كثيرون أن الممضين على الوثيقة التي حددت المدة الزمنية المذكورة ليسوا على علم بخفايا وتفاصيل ظهور دستور 1959 ولا يملكون الكثير من المعطيات حول آليات إصدار الدساتير في العالم.