تطلّب انتخاب أوّل مجلس قومي تأسيسي في تونس، الذي ضمّ آنذاك 95 عضوا إضافة إلى رئيسه، حوالي 3 أشهر منذ صدور الأمر العليّ المتعلق بإحداثه، وأجريت الانتخابات على طريقة القائمات يوم 25 مارس 1956 ب 18 دائرة موزعة على كامل تراب البلاد وقد أمكن لبورقيبة وأنصاره الفوز بكلّ المقاعد في شكل "جبهة قومية" ضمت مرشّحي الحزب الحر الدستوري التونسي والمنظمات الوطنية بعد تصفية المعارضة اليوسفية حزبيا في مؤتمر صفاقس في نوفمبر 1955. وقد دخل الحزب الشيوعي التونسي المنافسة الإنتخابية في جلّ الدوائر -12 من جملة 18 ضمّت 69 مترشّحا مقابل 98 مترشحا عن "الجبهة القومية" و4 مترشحين مستقلين في دائرة سوسة، وفي المقابل قاطع اليوسفيون الانتخابات كما حرضوا الناخبين على مقاطعتها أيضا. وأجريت انتخابات تكميلية يوم 26 أوت 1956 لسد الشغورات الحاصلة اثر وفاة نائبين منهم حسين بوزيان الذي وقع اغتياله في اليوم الموالي لإنتخابه عن دائرة قفصة وتعيين 8 نواب في مهام إدارية. وعقد المجلس القومي التأسيسي أولى جلساته الافتتاحية يوم 8 أفريل 1956 على الساعة السادسة والنصف مساء حيث تلا وزير العدل آنذاك كاظم بن عاشور نص الأمر العليّ . ووردت مناقشات المجلس ومداولاته في العدد الأول من الرائد الرسمي التونسي الصادر يوم 28 أفريل 1956 والمتضمّن للأمر العليّ المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 والمتعلق بإحداث مجلس قومي تأسيسي، نصّه: "الحمد لله ، من عبد الله سبحانه المتوكل عليه المفوض جميع الأمور إليه محمد الأمين باشا باي صاحب المملكة التونسية سدد الله تعالى أعماله وبلغه آماله إلى من يقف على أمرنا هذا من الخاصة والعامة. أما بعد، فإنه عملا بما جاء به خطابنا للعرش المؤرخ في 18 شعبان 1370 (15 ماي 1951) وحيث أن الوقت قد حان لمنح مملكتنا دستورا يحدد نظام السلط ويسير مختلف دواليب وحقوق المواطنين وواجباتهم وحيث أن يتجه تمكين شعبنا من المشاركة مشاركة فعلية وبواسطة ممثليه المنتخبين في إعداد القوانين الأساسية للبلاد وبعد الرأي الذي أبداه مجلس الوزراء وبناء على ما طلبه وزيرنا الأكبر رئيس الحكومة أصدرنا أمرنا هذا بما يأتي : الفصل 1 يقع استدعاء مجلس قومي تأسيسي ليوم الأحد 26 شعبان 1375 (8 أفريل 1956) لسن دستور مملكتنا. الفصل 2- يقع انتخاب المجلس القومي التأسيسي حسب الاقتراع العام المباشر السري طبق شروط يضبطها قانون انتخابي يصدر فيما بعد. الفصل 3- يختم الدستور الموضوع من طرف المجلس بخاتمنا السعيد ويصدر كدستور لمملكتنا. الفصل 4 وزيرنا الأكبر ووزيرنا للداخلية مكلفان كل فيما يخصه بإجراء العمل بأمرنا هذا. " مهام المجلس القومي التأسيسي تطلب إعداد دستور جوان 1959 ، ثلاث سنوات و3 أشهر توزعت بين إصدار أمر لإنشاء مجلس تأسيسي وبين الحملات الانتخابية للمترشحين لعضوية المجلس إضافة إلى تنظيم انتخابات المجلس وشروعه في إعداد وثيقة الدستور التي تطلبت "33 جلسة عقدت بين 1956 و1959" ، ويرجع الأستاذ عادل كعنيش في دراسته التاريخية والسياسية "دستور غرّة جوان 1959: الولادة العسيرة " أسباب تعطل إصدار الدستور إلى أن الرئيس بورقيبة لمّح في "عدّة مناسبات أن هناك قضايا وطنية ذات أولوية وأنه لا داعي للتسرع في إصدار الدستور قبل أن تحسم هذه القضايا" ولخّص كعنيش هذه القضايا في " أولا أن أهمّ القضايا التي واجهت الحكومة التي كان يرأسها الزعيم الحبيب بورقيبة تتمثل في بروز الخلاف اليوسفي وتداعياته التي أدت إلى قيام فتنة داخلية .." أما السبب الثاني فيتمثل وحسب نفس المصدر في "الأزمة التي عاشتها تونس بمناسبة خلافها مع مصر فقد طفت في تلك الفترة أزمة ثانية بدأت بالاعتداءات المتكررة من القوات الفرنسية على تونس بدعوى ملاحقة المجاهدين الجزائريين الذين كثيرا ما تحصنوا بالأراضي التونسية في المنطقة الحدودية". وقد تكون هناك أسباب أخرى عطلت بدورها المجلس القومي التأسيسي من إنهاء مداولاته حول الدستور "وهو أن بورقيبة كان يريد قبل التقنين إقامة نظام رئاسي قوي ذي طابع شخصي ولكن زعماء الحركة الوطنية لم يكونوا في البداية خاضعين لبورقيبة وكان البعض منهم تخامره فكرة إقامة الملكية الدستورية وكان بورقيبة على دراية تامة بذلك فأراد أن يترك الوقت ليقوم بمفعوله حتى يطبخ موضوع الجمهورية والشكل الرئاسي للدولة على نار هادئة.." وإلى جانب هذه الأسباب أكد الأستاذ عادل كعنيش أنّ "هناك حوارات ساخنة تعلقت بعدد كبير من فصول مشروع الدستور سواء التي تخصّ دين الدولة أو مشاركة المرأة في الحياة السياسية أو الجمع بين الجنسية التونسية وجنسيات أخرى أو قضية الشغور في منصب الرئاسة أو الاستفتاء أو حصانة النائب واستقلاليته"