كان انتخاب المجلس القومي التأسيسي في 25 مارس 1956 بمقتضى الأمر العلي الصادر في 29 ديسمبر 1955 تحقيقا لثمرة نضالات طويلة قادتها النخب الوطنية منذ بداية القرن العشرين. ورغم أن انتخابات المجلس جدت في ظرفية غليان اجتماعي وسياسي ورغم معارضة اليوسفيين فإن المجلس المنتخب مثل الإرادة الشعبية خاصة أنه كان نتيجة لانتخابات عامة ومباشرة وسرية وفي إطار منافسة بين مرشحي الجبهة الوطنية (الحزب الحر الدستوري الجديد والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد القومي للمزارعين التونسيين) ومرشحين مستقلين أو منتسبين للحزب الشيوعي التونسي. وفازت الجبهة الوطنية آنذاك بكل مقاعد المجلس المائة وثمانية (108)، وكان اجتماعه الأول يوم 8 أفريل 1956 بحضور الباي وانتخب المجلس بورقيبة رئيسا له حتى دعي في 14 أفريل لتشكيل أول حكومة بعد الاستقلال التام وخلفه في رئاسة المجلس جلولي فارس. إلغاء الملكية أولا وان كانت صلاحيات المجلس حسب أمر 29 ديسمبر 1955 مقتصرة على وضع دستور في إطار النظام الملكي وليس له حق التشريع أو تكوين حكومة فإن أعضاءه مدفوعين بتمثيليتهم للإرادة الشعبية قرروا عدم الالتزام بذلك وكانت أول قراراتهم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في جلسة يوم 25 جويلية 1957 بإجماع النواب الحاضرين. وكان اصدار دستور الجمهورية الذي استغرقت صياغته أكثر من ثلاث سنوات يوم 1 جوان 1959 حدثا تاريخيا تحقق به أمل أجيال من الأحرار. تقرير المصير واشتمل الأمر المحدث للمجلس التأسيسي على عدة فصول ورد في أول فصل منها أنه يقع استدعاء مجلس قومي تأسيسي ليوم الأحد 8 أفريل 1956 لسن دستور للمملكة ووضع الأمر أيضا طريقة انتخاب النواب. أما الفصل الثاني فنص على أن انتخاب المجلس يتم حسب الاقتراع العام المباشر طبق شروط يضبطها قانون خاص ولأول مرة في تاريخ تونس الحديث يتمتع الشعب التونسي بحقه في تقرير مصيره وصدرت الأوامر والقرارات الضابطة لعملية الانتخاب يوم 23 فيفري 1956 وصدر الأمر المتعلق بتمديد تاريخ الانتخابات وكان التاريخ المحدد لذلك يوم 25 مارس 1956. وجرت عملية انتخاب المجلس فعلا بعد 5 أيام فحسب من إمضاء بروتوكول الاستقلال وانعقد أول اجتماع للمجلس القومي التأسيسي يوم الأحد 8 أفريل 1956 أي بعد 18 سنة عن أيام أفريل 1938 عندما خرج التونسيون للمطالبة ببرلمان تونسي.