من تابع أعمال «باب العرش»، «اخوة وزمان»، «المكتوب» يتذكر جيدا ذلك الحضور المقنع والأداء المتوازن للممثل والمسرحي الحبيب غزال الذي اتخذ من التكوين المستمر مبدأ و من الابداع وسيلة. (الشروق) مكتب الساحل انطلقت مسيرته من المسرح المدرسي مرورا بفترة تكوينية بفرنسا تلتها تجارب في هياكل مسرحية ك«الزيتونة(78/79)»، «مسرح الهجرة»، «مسرح الطليعة»، المسرح الوطني، تجارب دعمها ولايزال بانتاجات مسرحية وأعمال سينمائية تونسية وأجنبية مكنته من حرفية بوأته من تقلد العديد من المسؤوليات آخرها بوزارة التربية كمكلف بالنوادي المسرحية المدرسية وبتكوين المدرسين في هذا المجال الى جانب مهمته كرئيس جامعة المسرح التي شكلت الجزء الكبير من هواجسه في مسؤولية لم تخلو من الصعوبات ومن العراقيل، عن هذه التجربة وبعض المواضيع المسرحية الأخرى حدثنا الفنان الحبيب غزال بروح المبدع في حوار هذه تفاصيله: بعد مدة منذ تسلمكم مهمة رئاسة جامعة المسرح في فترة نيابية كيف تصف واقع هذه الجامعة؟ تسلمت الجامعة وهي تعاني من مشاكل كبيرة متأتية من عدة أسباب أفضّل أن لا أثيرها فعندما تسلمت هذه النيابة حرصت على الاشتغال على محورين وهما التكوين لأنه الضامن لاستمرار العملية الابداعية واعادة الهيكلة حتى نقضي على مخلفات الماضي من قبيل احتكار شخص لرئاسة جمعية مسرحية لمدة سنوات وغياب الجلسات العامة والانتخابية وحتى وان تمت تكون بصفة شكلية تمويهية اضافة الى النوايا التجارية في الممارسات المسرحية والتحايل في استغلال الدعم حيث يستحوذ رئيس الجمعية على أغلبية الأموال. ما هي الحلول العملية التي بدأتم في تفعيلها ؟ تنظيم المسرحيين في قطاع الهواية حيث على المسرح أن يتخلّص من المبتزّين وضعنا «بطاقة المسرحي» مقابل ثلاث مسرحيات مؤشرة وثلاثة تربصات وان لم يكن في رصيده ذلك نسلّمه» بطاقة متربص» وهي عبارة عن بطاقة هوية حتى تتضح مختلف المستويات وبدأنا في اعادة النظر في طبيعة العلاقات بين الجامعة والمسرحيين والجمعيات وسلطة الاشراف وأيضا في علاقة الجامعة بالمسرحيين في العالم خاصة أن هناك من يزال يقدّم نفسه في الهيئة العربية للمسرح باسم جامعة المسرح ففي الأسبوع الفارط تلقينا مراسلة من طرف هذه الهيئة فوضحت لهم المسألة مثلما أرسلنا مكتوبا آخر في نفس الاطار ممضى من طرف ثلاثة هياكل للجامعة والنقابة واتحاد الممثلين المحترفين، كما ركزنا مجهودنا أيضا على اعادة الثقة التي فقدت بين الجامعة والجمعيات، كذلك اهتممنا بمسألة التوزيع والمنح بتكليف من وزير الثقافة حيث وضعنا العديد من الشروط والنقاط التي لابد من احترامها منها مبدأ التكافؤ في العروض بتحديد سقف لا يتجاوز تسعة عروض لكل عمل بعد أن كان في السابق اختلال في هذا الشأن حيث هناك من تمتع بأكثر من عشرين عرضا ومسرحيات لم تنل الا خمسة عروض فقط، فتعليق عمل اللجان حدث هام وكلنا يعرف كيف كانت تعمل حيث كانت وزارة الداخلية هي التي تضع في الملاحظات وليس اللجنة فحتى لو كان «شكسبير» نفسه صاحب العرض سيحرم من العروض لو رفضته الداخلية والعكس هو الممكن حيث يتمتع العمل الرديء بعدد كبير من العروض بأمر أيضا من الداخلية ومن طرف جمعية بسمة المنقلبون على السويسي هم الذين يتآمرون ضدي وغيرها هكذا كانت تسير الأمور لذلك حرصنا على معالجة كل ذلك، وفيما يخص توزيع المنح (ليس منح الانتاج) اخترنا توجيهها الى أصحاب مشاريع تكوين فمن تعوّد على اقتسام خبزة «القاطو» لم يرتض ذلك وهؤلاء هم الذين بدؤوا بالتآمر بما يعبر عنه بوضع العصي في العجلة منهم من عملوا كثيرا مع المنصف السويسي ثم انقلبوا عنه والغريب يصفون ما نقوم به من اجراءات تنظيمية ب«الممارسات السويسية» وبدؤوا يكيلون لي الشتائم في صفحات الفايس بوك لا لشيء الا لأني حرصت على تنظيف هذا القطاع فلم أجبهم لأن ثقافتي ليست فايسبوكية ولكن هناك العديد من تصدى لهم ولامهم على تصرفاتهم متوجهين لهم بالقول «ألم تكونوا مع السويسي ماذا أنجزتم»، وأؤكّد أن وجودي في الجامعة هو بدافع حبي للمسرح وغيرة عليه لا غير فلست في حاجة الى أداة تعريف أو اشهار فأنا صاحب مشروع لن أحيد عنه وسأسعى في تنفيذه وهؤلاء المتآمرون متذبذبون يهدؤون كلما تلقوا اقتراحا يرون فيه مصلحة مادية وعندما أدعوهم قصد التكوين والتعاون فإنهم يرفضون وينكمشون، فلابد على المسرح أن يتخلص من كل من يعتبر الجمعيات المسرحية مصدرا للابتزاز .
يعني أن نتخلص من الجمعيات المسرحية ؟ أقصد الأشخاص لا الجمعيات..
كيف يمكن كشف هؤلاء الأشخاص والتمييز بين المخلص والمبتزّ؟
سهل جدا ففي قرارة نفسي دائما أعتبر أن الأغلبية تعمل بإخلاص ومن يرفض التعلّم والتكوين فهو جاهل وهؤلاء كثيرون والغرور أمر خطير لأنه يلحق المضرة بالعديد ولابد من التخلص من هذه الفئة السلبية التي لها موقف من المعرفة وترفض التكوين اضافة الى تجار الجمعيات الذين يتوزع أفراد عائلتهم على العديد من الجمعيات بغاية الابتزاز المالي، ثم عن طريق المحاسبة والاستطلاعات لأن التجاوزات لا تخفى على أحد وهنا أدعو السيد الكاتب العام للحكومة الى أن يحاسب كل من لا يقوم بالجلسة العامة لجمعيته وأن يتثبت من كيفية انعقادها ان حصلت فهناك من لا يعقد جلسته بتاتا ويمرر تقريره، فقانونيا ليست جامعة المسرح وحدها المسؤولة عن ذلك بل كذلك كاتب الحكومة بعد أن كانت في السابق من طرف الولاية فيمكن أن أذكر لك أمثلة لجمعيات منذ أن أسست وهي بنفس رئيس الجمعية منها التي تأسست منذ السبعينات والثمانينات وأخرى لم تقم بجلسة عامة حقيقية وأخرى احتكر رئيسها مهمة امين المال فهل يعقل ذلك؟! وهذا الخور كان له الأثرالسلبي على الأعمال المسرحية الهاوية وأبرز مثال مهرجان قربة الذي يعتبر واجهة أعمال مسرح الهواية لأن العديد أصبح هاجسهم اثارة الفتن والمشاكل العابرة على حساب امهات الأمور كالتكوين وتجويد العملية المسرحية.... في لقاءات سابقة مع الرئيسين السابقين لجامعة المسرح توفيق الغربي و المنصف السويسي أكدا برنامج عمل يتمثل في العديد من النقاط التي ذكرتها ولكن ألتمس من كلامك وكأنك لم تجد أي أثر لعملهما فهل ستبدأ العمل من النقطة صفر ؟ (يفكر..يضحك..) نعم لم أجد أي أثر، قالا ذلك ولكن لم ينفذا مع احترامي لهذين الفنانين فكلما وجدا ضغطا وصوتا معارضا يتراجعان عن التطبيق لا أدري ممّ يخافان ؟ وهناك نوعية لا تتحرّك الا مدّة الانتخابات فتجدهم يتودّدون للكلّ الى أن يتمّ انتخابهم، وهناك من كان يريد خطّة رئيس جامعة لمصلحة شخصية حيث التواجد في عضوية الهيئة العربية للمسرح يشترط خطة رئيس هيكل في دولة كل مترشح، لذلك لم يقع شيئ داخل هذه الجامعة والدليل سهل وهو غياب أيام الجامعة للمسرح خلال المدتين النيابيتين الفارطتين أي مع توفيق الغربي والمنصف السويسي ونحن الآن نواجه صعوبات كبيرة لتنظيم دورة هذه السنة بالتعاون مع رئيس ديوان الوزارة الذي أبدى تفهّما كبيرا واستعدادا لمساعدتنا وأنا حريص على تفعيل البرنامج الذي خططنا له بعيدا عن أي مآرب شخصية كما يتصور الصائدون في الماء العكر وأطمئنهم بأني سوف لن أسعى الى كسب أصوات لأني لا أنوي الترشح لرئاسة الجامعة في المدة النيابية القادمة فليريحوا أنفسهم، دوري هو المساهمة ولو بقسط بسيط في تنظيف وتطوير آليات العمل داخل هذه الجامعة بما تمليه عليّ الأمانة العلمية وحبي للفن الرابع . ذكرت في سياق حديثك هدف ارجاع الثقة بين الجامعة والجمعيات ما هي الحلول العملية التي وضعتموها لأجل ذلك ؟ انطلقنا في الحلول العملية منها التوجه الى الجهات والوقوف على تفاصيل مشاكل الجمعيات الجادة والسعي الى خلق شبكة توزيع في ما بينهم وعدم اقتصار العروض على الجهة الواحدة بل تبادل العروض بين اعرف من تلقى دعما و لم ينتج عملا الولايات وسنحاول أيضا ايجاد مركز تكوين خاص بالجامعة واقامة مهرجانات تقطع مع المهرجانات الكلاسيكية بخلق نوعية خاصة من العروض والاستعراضات .
الدعم المالي كان ولازال الشغل الشاغل للمسرحيين في ظل مفارقة الاستفادة والابتزاز أي تصور للجامعة لهذا الدعم ؟
لابد من اعادة النظر بصفة جذرية في هذه القضية، وحسب رأيي الدعم لا يجب أن يوجه الى المشاريع لأن في هذه الحالة هناك جمعيات مسرحية منذ تأسيسها بنفس الرئيس سنجد مفارقة بين الكلفة الأصلية والكلفة التي يتم الاعلان عنها بل لا بد من دعم الهياكل شريطة احداث مجلس ادارة يحدد بدقة كلفة الأعمال المنجزة وكفانا من تكوين الشركات هذا «الريق البارد» فلابد من دعم التجارب المخبرية مع المتابعة والمحاسبة لأن أعرف العديد تمتعوا بالدعم مقابل أعمال ولم ينتجوا شيئا، ويجب أيضا اعادة النظر في دعم التوزيع كمّا وكيفا فلا يعقل أن تعرض مسرحية أمام مدير وحارس دار الثقافة فقط ثم يتسلم صاحب ذلك العرض مئات الدينارات فهذا يسمى اهدارا للمال العام، كما أنه لابد من وضع حد للاختلال الحاصل في توزيع العروض بمنطق المحسوبية و المحاباة حيث نجد عملا يتمتع بثلاثين عرضا مثلا والآخر نصيبه لا يتعدى الخمسة عروض فماذا يعني ذلك ؟، فمسؤولية التوزيع ليست من مهام لجنة الانتقاء فقط وأنا أحد أعضائها بل مسؤولية الوزارة ايضا باعتماد الوضوح في تصانيف العروض المصرّح بها للجنة الانتقاء فمازال هناك الكثير من الغموض في هذا المجال .
الغاء لجان التوجيه المسرحي هل سيساهم فعلا في تطوير الفن الرابع في تونس ؟
أنا ضد اي نوع من الرقابة في المجال الفني ولكني مع لجنة في النظر في توظيف الأدوات المسرحية المستعملة في ذلك العمل المسرحي فأنا مع لجنة الانتقاء التي لا تنظر في ما هو سياسي . مَنْ يقيّم مَنْ ؟ بالنسبة لي الأسماء الموجودة في لجنة الانتقاء تتميز بالكفاءة التي تخوّلها للتقييم ولا يمكن القدح فيها الا من طرف المتعنّتين الذين يتصورون أنفسهم فوق كل تقييم .
كانت لك تجربة في المسرح الوطني كيف ترى مستقبل هذا الهيكل الذي أصبحت ادارته منفّرة للعديد ؟
من سيتسلم ادارة المسرح الوطني سيكون أمامه عمل كبير في ظل ارث سلبي تركه محمد ادريس.
فهل يعقل هيكل مثل هذا يعمل بموظفين اثنين والبقية عرضيون وهو يتمتع بأجرة مضخمة الى جانب الملايين الأخرى المهدورة ؟ فلابد من اعادة الهيكلة واستقطاب الوجوه الشابة ومدّ الجسور للتعاون المشترك وأتذكر في هذا الشأن سنة 1985 عندما اشتغلت هناك تم انتاج اثني عشر عملا بالتعاون مع أطراف اخرى ولابد من توجيه المسار من آسيوي أوروبي الى مسار آخر للمسرح التونسي ومن سيتسلم ادارة المسرح الوطني «ربي معاه».
أترك لك كلمة الختام ؟
أشكرك أولا على اثارة هذه المواضيع الهامة جدا للمسرح التونسي، أدعو الى ترك المواهب الشبابية للعمل وتمكينهم من الوقت المناسب للنضج في مهامهم وأؤكد بكل جدية أني سوف لن أترشح للنيابة القادمة للجامعة مع الشكر لكل من وضع في ذاتي ثقته ساعيا الى أن أكون في مستواها بما يرتضيه ضميري.