نهاية الأسبوع الماضي كان من المفروض أن يقدّم الدكتور عادل خضر محاضرة في مدينة جندوبة لكن جهات لم تعلن على نفسها وزّعت منشورا دعت فيه الطلبة الى مقاطعة المحاضرة بحجّة أنّ المحاضر ماسوني وتجمّعي !كما تمّ تهديد مديرة المركّب الجامعي بجندوبة عن طريق مكالمة مجهولة إن هي سمحت بتنظيم المحاضرة . هذه الحادثة ليست الأولى في هذا السياق فقد تعرّض أستاذ في مدينة بنزرت خلال الربيع الماضي الى ضغوطات كادت تؤدّي بحياته بسبب تهم واهية بالألحاد كما تعرّضت أستاذتان في قابس هدى الجمل وجليلة بن يحي الى مضايقات وصلت حدّ الخوف على سلامتهن الجسدية ونفس الشيء حدث للأستاذة فاطمة جغام في حي التضامن ولفرقة البحث الموسيقي كما قاضى محامون قناة نسمة بسبب شريط سينمائي والاعتداءات على المربين والجامعيين وخاصة الجامعيات بسبب حرية اللباس والمعتقد. كل هذه الأحداث لا تنبئ بخير بل تزرع فينا شعورا حقيقيا على مستقبل الحرية التي بدت مستهدفة من جهات تحاول أن تفرض رؤيتها الخاصة للمجتمع وتصادر النموذج التونسي في العيش لصالح نماذج أخرى غريبة عن روح الإسلام السمحة القادمة من الخليج المعروف بتياراته التكفيرية المتشدّدة التي تعادي الحرية وتدعو الى صياغة نموذج اجتماعي يدّعي الاستناد الى الإسلام. الرهان هذا «الانفلات» الذي كان وراء تكرّر الاعتداءات على جامعيين ومربين ونساء ومبدعين مثل النوري بوزيد ومنصف الوهايبي ومن وجوهه أيضا منع الدكتورة إقبال الغربي من مباشرة عملها في إذاعة الزيتونة دون أن تكون للمحتجين صفة قانونية يضع ثلاثي الحكم الجديد في مأزق حقيقي . فالحرية اليوم هي الرهان الذي سيحدّد جديّة الأطراف الثلاثة الحاكمة في الدفاع عن مدنية المجتمع وسيكون هذا الملف هو المحك الذي ستختبر فيه قدرة الأطراف الثلاثة على ضمان الحريات الفكرية والخاصة ووضع حد للتجاوزات التي ترتكبها بعض التيارات باسم «الدفاع عن الهوية» و»النهي عن المنكر» وتنصيب نفسها وصيّة على المجتمع والإسلام . فمعارضو الثلاثي الحاكم سيصطادون هذه الأخطاء لتجييش الشارع ضدّ «الديكتاتورية الجديدة» وللدفاع عن مدنية الدولة مستمديّن قوّتهم من الإرث المدني الكبير للدولة وللمجتمع ومن القوى الدولية التي تحرص على نجاح التجربة الديمقراطية في تونس . وإذا كان حزبا المؤتمر والتكتّل محسوبين على الأحزاب المنتصرة للحريات والمدنية فإنّ النهضة –رغم خطابها المدني- ستواجه تحدّيا أكبر بسبب مرجعيتها الدينية وربّما جموح قواعدها التي تربّت على خطاب دعوي الى جانب التيارات الدينية الأخرى التي تعمل معها في نفس الفضاء . فرهان الحرية لن يكون محرار العلاقة بين ثلاثي الحكم والمعارضة فقط بل حتى داخل إئتلاف الحكم نفسه بين التكتّل والمؤتمر من جهة والنهضة من جهة أخرى . فهل ينتصر ثلاثي الحكم وقياداته من رئيس الجمهورية المفترض السيد منصف المرزوقي والسيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي والسيد حمّادي الجبالي الوزير الأول المنتظر للحرية ولمدنية الدولة ليضع حدّا لكل الانفلاتات التي تحدث في الجهات التونسية بتطبيق القانون بصرامة وفرض احترام الحريات الفكرية والشخصية أم يتوغّل العنف في الشارع التونسي ليتحوّل الى مجال للعنف الرمزي والمادي وتسقط البلاد لا قدّر اللّه في مستنقع لن يستفيد منه إلاّ أعداء تونس وتجربتها الديمقراطية الناشئة ؟. إنّ ثلاثي الحكم يواجه رهانا وتحدّيا كبير ليس في الاقتصاد فقط بل في الحرية أيضا .