عاشت حياتها كالطائر المحلق في السماء.. السابح في الأفق الرحب.. يحطّ أين يريد.. ومتى يريد.. دون احتساب للمخاطر.. عاشت بمشاعر مندفعة.. متدفقة وعواطف تمنح الحياة وتعيش الحبّ بلا حساب.. وبلا منّ ولا مواربة. .. هاجسها الكبير كان تقديم لحن شجي.. والشدو بأغنية تكتب قصّة.. وتروي حكاية.. وتعبّر عن موقف.. الحياة هي طموح.. وبحث دائم عن الجديد.. والتجدّد عندها هاجس دائم..
تعاطت مع الحياة.. ومع محيطها بكل بساطة.. ودون تعقيد.. تحب بعنف.. تعشق كل جميل في الوجود بلا حساب..
صوتها بخصوصياته المميزة.. وآهاته اللذيذة.. في مواويلها نغم الحياة وبهجتها.. هي ذكرى محمد التي تمرّ اليوم ثماني سنوات على رحيلها.. نهاية مؤلمة لم تخطر على بال.. ولم يكن ينتظرها أحد.. كان ذلك يوم 28 نوفمبر.. ومنذ ثماني سنوات عندما أعلن عن اغتيال أحلى وأقوى صوت غنائي عربي.. ذكرى محمد..
.. صوت نحت نجاحه بأظافره وقد وجد في أشعار الراحل حسونة قسومة والملحن عبد الرحمان العيادي ثنائيا متجانسا.. متكاملا.. حصيلته كانت 28 أغنية مثلت استثناء في المدونة الغنائية التونسية لما حملته وعبّرت عنه من أحاسيس إنسانية نبيلة.. صوتها بنبراته الأوبيرالية أكد جدارته وقوته في التعاطي بكل حرفية وإقناع وإمتاع مع كل المقامات الموسيقية.. لتكسب بذلك رهان قوة الأداء ونقاء ونقاوة في طبقاته..
«حبيبي طمّن فؤادي».. «لمن يا هوى».. «سأ لت حبيبي».. «الى حضن أمي».. وغيرها من الأغاني التي أعطتها ذكرى محمد مهجتها فانسابت في وجدان المتلقي ماء زلالا..
ومن تونس طارت الى ليبيا ثم القاهرة مرورا بالخليج العربي مؤكدة أنها صوت استثنائي بكل المقاييس.. تعلق الأمر بالنغمات البدوية أو الايقاعات الخليجية والموازين الشرقية.. ورسخت ذكرى نفسها صوتا قويا صادحا بأحلى وأروع وأمتع الألحان.. نجاح جعل منها هدفا لكل المتصيدين، لتكون النهاية التي لم تخطر على بال أحد.. كان ذلك منذ ثماني سنوات..
ذكرى.. موقف نبيل
ذكرى محمد، الصوت الغنائي الرومانسي الحالم... سجل له التاريخ الفني التونسي موقفا انسانيا نبيلا... سيذكره التاريخ حتما كل مرة يستعيد فيها الذكريات مع هذا الصوت الشخصي..
موقف مازلنا نحتفظ به وقد كشف عنه الشاعر الراحل حسونة قسومة في احدى حلقات برنامج قصة أغنية على موجات الاذاعة الوطنية سنة صيف 1999 (نحتفظ بنسخة من التسجيل)... في بداية ثمانينات القرن الماضي كانت الفرقة الوطنية للموسيقى تستعد لحفل افتتاح مهرجان المالوف الدولي بتستور... وكان من ضمن الاصوات أمينة فاخت الى جانب الراحلة ذكرى محمد... هذه الأخيرة أعدت أغنيتين جديدتين للملحن عبد الرحمان العيادي: «حبيبي طمّن فؤادي».. و«لما أنت فاهم غاية مرادي»...
وكان لابدّ ان تكون لأمينة فاخت أغنيتها الخاصة بها... فكّر العيادي وقسومة مليّا ليتحوّلا على وجه السرعة نحو منزل ذكرى محمد في وادي الليل ليعرضا عليها هذا الاشكال في ضرورة ان تكون لأمينة فاخت أغنيتها الخاصة بها... حصل التشاور بين هذا الثلاثي... وجاء القرار الانساني النبيل من ذكرى محمد التي أعلنت تنازلها عن «لما أنت فاهم غاية مرادي» لأمينة فاخت... أغنية قدمتها أمينة فاخت أول مرة على ركح مهرجان تستور الدولي للمالوف الذي كان شاهدا في تلك الليلة عن ميلاد صوت فني قوي وأصيل اسمه: أمينة فاخت وعن نبل وشهامة وصفاء صوت اسمه: ذكرى محمد.