تمر الأيام والأشهر والسنوات.. ولايزال صوتها شامخا في الذاكرة.. هي ذكرى محمد التي تقف الأوتار.. ويخفت همس النغمات في خشوع إحياء لمرور سبع سنوات على الرحيل المفاجئ والنهاية المفزعة لصوت عابق بالحب والأمل والطموح: ذكرى محمد. .. يوم 28 نوفمبر 2003.. توقفت عجلة الزمان لتعلن بألم وحزن عن صمت أزلي لصوت عشقنا فيه الصفاء الروحي.. .. الآن وبعد سبع سنوات لازالت آهات ذكرى في أغانيها تنبض حياة.. لازالت ذكرى.. ذكرى عابقة بأحلى الذكريات في المدونة الغنائية التونسية على وجه الخصوص. يوم رحيلها منذ سبع سنوات أنتجت الموسيقى أحلى الأصوات العربية.. هي ذكرى التي وصف صوتها الفنان اللبناني الكبير وديع الصافي بالحديقة الغناء الوارفة الظلال تمنحك الراحة النفسية والمتعة الوجدانية.. وقال عنها الفنان الليبي محمد حسن إنها صاحبة أروع صوت عربي. سبع سنوات تمرّ اليوم الأحد 28 نوفمبر 2010 على رحيلها.. وصوتها مازال قصيدة حب لكلّ العشاق من «حبيبي طمّن فؤادي».. إلى «لمن يا هوى».. قصيد وفاء من «إلى حضن أمي..» إلى «الأسامي».. في صوتها همس وتر.. خفقة قلب.. ورقة جفن. كانت ذكرى على امتداد ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.. صوت المتعبين.. الباحثين عن الطمأنينة النفسية.. كان صوتها بلسما لجروح الحياة.. صوتا ملهما.. فيه تحدّ وشموخ وإيمان بالفعل الابداعي الجاد. صوت أهدانا أمينة فاخت؟ ما لا يعرفه الكثير أن الراحلة ذكرى محمد أهدتنا صوتا «مجنونا» اسمه أمينة فاخت.. كان ذلك في سنوات التأسيس الأولى للفرقة الوطنية للموسيقى التي شرعت في الاستعداد لافتتاح المهرجان الدولي للمالوف والموسيقى التقليدية.. كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين سنة. أعدت ذكرى محمد لهذا الموعد أغنيتين للشاعر الراحل حسونة قسومة والملحن عبد الرحمان العيادي.. ثنائي احتضن صوت ذكرى ليمثل ثلاثيا إبداعيا متكاملا.. الأغنيتان: «حبيبي طمن فؤادي» و«لمّا أنت فاهم غايةمرادي».. كانت الفرقة الوطنية للموسيقى تضمّ أيضا الفنانة أمينة فاخت.. وكان لا بد من توفير أغنية جديدة لهذا الصوت.. أغنية تكشف من خلالها ما بداخلها من طاقات ابداعية، فكيف السبيل الى ذلك؟ وجاء الحلّ كما روى ذلك الشاعر الراحل حسونة قسومة في برنامج (قصة أغنية) على موجات الاذاعة الوطنية (تم انتاج هذا البرنامج سنة 1999) ونحتفظ بتسجيل لهذه الحلقة). .. جاء الحلّ من الشاعر الراحل حسونة قسومة الذي بادر صحبة الملحن عبد الرحمان العيادي بالتحول حيث مقر إقامة الراحلة ذكرى محمد في وادي الليل.. وكانت النتيجة تنازل ذكرى محمد عن «لما أنت فاهم غاية مرادي» لفائدة أمينة فاخت التي أسعدها هذا الموقف.. غنت أمينة فاخت الأغنية بإحساس ابداعي صادق.. بكت أمينة فاخت بعد الأداء كما أكد ذلك الراحل حسونة قسومة في البرنامج.. بعد أن أعادت أداء الأغنية مرة ثانية استجابة لطلب الجمهور في تلك السهرة منذ أكثر من ثلاثين سنة وكانت ذكرى أكثر سعادة بنجاح أمينة.. هذا موقف سيبقى في ذاكرة التاريخ.. موقف فيه شهامة وصفاء نفس وإيمان بالذات.. لصوت كانت نهايته مؤلمة.. مفزعة.. نهاية تراجيدية وكأن قدر العظماء أن تكون نهاياتهم مأساوية.. هي ذكرى قيثارة الطرب العربي.. ستبقى قصيدا خالدا وأنغاما مفعمة بالحبّ الصادق على مدى الأزمنة والعصور.