منطقة «الجداونية» من عمادة حمام بورقيبة التابعة لمعتمدية عين دراهم هي من المناطق الريفية التي حباها الله بجمال في طبيعتها وخصوبة في أرضها واعتدال في مناخها ومخزون في مياهها. غياب المشاريع التنموية بهذه المنطقة منذ السنوات الأولى من الاستقلال جعلها من المناطق المهمشة التي يعيش أكثر سكانها حالة من الخصاصة و الفقر المدقع والحرمان ناضل العديد منهم للاستقرار والبقاء بها متشبثين بأراضيهم آملين في غد مشرق يغير من واقعهم ويحقق البعض من أحلامهم التي لم تكن أكثر من لقمة عيش دائمة تشبع البطون وسكن لائق يقيهم تهاطل الأمطار وبرد الشتاء ومسلك مهيأ يمكن أبناءهم من الوصول إلى مدارسهم ومعاهدهم ولا ينقطعون عن التعليم لكن الواقع اظهر عكس ذلك واقر أن هذا الحلم صعب المنال حتى بعد 55 سنة من حصوله على الاستقلال . وبدعوة من متساكني هذه المنطقة تحولنا إليها ولم نجد ما يوصل إليها غير مسلك ريفي لم يكن مهيأ كما ينبغي انطلقت أشغال تهيئته ثم توقفت دون إتمامه ولسبب عجز السكان عن فك لغزه ثم كان أول من اعترضنا العم برني بن سعد مشرقي بهذا المسلك الذي غابت فيه وسائل النقل لرداءته وانسدت مجاري تصريف المياه به وهو يجر حماره لجلب الماء من عين في أسفل ربوة تبعد عنه حوالي 3 كلمترات في حين أن الحنفية العمومية أمام منزله فسألناه لماذا لا يتزود منها فأجاب ليس باستطاعته أن يدفع مقابل جرعة هذا الماء ثم رجانا للدخول إلى منزله وكم هالنا ما رأيناه من خصاصة وفقر وحرمان يعجز اللسان عن وصفها ينام في بيت مسقف بالبلاستيك ليترك بالبيت مكانا لابنه العاطل عن العمل والذي غادر الدراسة من السنة السابعة ثانوي وهو الأب العائل لعائلة تتكون من 8 أفراد وأي مكان هذا فهو عبارة عن غرفة تلجها مياه الأمطار من شبه باب ونافذة غابت عنهما الألواح لتبقى بهما أعمدة صغيرة يطل من خلالها برد الشتاء القارس وزمهريره الشديد ورياحه الباردة توقفنا هنا و لم يسعنا الوقت لزيارة مساكن الآخرين لبعدها عن هذا المسلك الوحيد ولتشتتها و لا نشك لحظة واحدة من أن هناك من هو في مثل حالة العم البرني أو أسوإ منه حالا وفي طريق العودة استمعنا إلى قصة المرأة شدلية المشرقي حرم حسن بوخاتم كيف أن احد الخنازير اقتحم بيتها بحثا عن الطعام ولما اعترضته أصابها في احدى ساقيها وهي ما تزال تعاني أثار الإصابة إلى جانب الفقر والحرمان إلى حد الآن وتتوكأ على العصي لتساعدها على التنقل أمام البيت . اليوم وقد أصبح الشعب وحده يقرر مصيره ويعبر بشتى الأشكال عن مطالبه وسكان هذه المناطق هم جزء لايتجزا من هذا الشعب وبالتالي فهم ينتظرون ممن تقلدوا زمام الأمور وأصبحت بأيديهم مقاليد الحكم أن لا ينسوا أو يتناسوا هذه المناطق حتى لا تظل على ما هي عليه الآن.