أثار تسريب وثيقة في شكل تقرير عن المؤتمر الثالث عشر لجمعية القضاة التونسيين فضيحة مدوية وسط القضاة أنفسهم ولدى المحامين والمتابعين لشأن المرفق العدلي، وقد كشفت هذه الوثيقة عن حجم تدخل وزارة العدل والسلطة السياسية في المؤسسة القضائية. الوثيقة، أصبحت مستندا أساسيا لرفع قضية عدلية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ضد وزير العدل الأسبق في عهد نظام بن علي لزهر بوعوني ومستشاره والمتفقد العام بوزارة العدل وكل من ستكشف عنه الأبحاث بخصوص تدليس انتخابات المؤتمر الثالث عشر لجمعية القضاة، المنعقد بتاريخ 19 ديسمبر 2010. العنوان والموضوع الوثيقة تم توجيهها بتاريخ 23 ديسمبر 2010 تحت عنوان «مذكرة إلى عناية السيد الوزير» وموضوعها «حول المؤتمر الثالث عشر لجمعية القضاة التونسيين». أورد باعثها أن المؤتمر انعقد وفق تصوّر وزير العدل وحسب التمشي الذي كان رسمه له «فلم تحصل والحمد لله مفاجآت وأتت النتائج في حجم ما تترقبونه وما يرضي سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس المجلس الأعلى للقضاء». بعث من رحم رئيس الديوان وقد ورد بالوثيقة أن وكيل الدولة العام للمصالح العدلية استأثر بإعداد المؤتمر بتواطئ من أعضاء المكتب التنفيذي المتخلي وجاء أيضا بأن المكتب المتخلي الذي كان يرأسه القاضي طارق إبراهم «بعث من رحم رئيس الديوان سابقا ووكيل الدولة العام للمصالح العدلية حاليا (2010)» وجاء في الوثيقة أيضا «أن جميع أعمال المكتب المذكور كانت تتم بمكتب رئيس الديوان وبحضور السيدين عدنان الهاني وطارق براهم رئيس الجمعية ونائبه وبتنسيق من القاضي محرز الهمامي بحكم مكانته المتميزة لدى السيد لطفي الدوّاس والحال أن لا صفة قانونية تسمح له بذلك». مناصب اعترف كاتب التقرير أن هؤلاء قد غنموا وكل المقربين منهم المناصب والامتيازات مما أثار حفيظة باقي القضاة». ورد في الوثيقة أيضا، والتي حصلت «الشروق» على نسخة منها بأن وكيل الدولة العام هو المكلف بالسهر على إعداد المؤتمر بمعية المنجي الأخضر الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وجاء حرفيا: «وبحكم طبيعة الأول وميله إلى التفرد بالنفوذ فقد بدت بصماته في كل مرحلة من مراحل الاعداد للمؤتمر، فهو من تدخل وأقصى بعض المترشحين الذين قد يشكلون خطرا على المجموعة المقربة منه، وبلغ به الأمر إلى حدّ تهديدهم». اقصاء وتكليفا ذكر أسماء القضاة الذين تمّ إقصاءهم وهم جلال الشريف وعلي الهمامي وعدنان الأسود وعبد اللطيف الميساوي. هذا بالإضافة إلى تكليف بعض القضاة بالتدخل في المؤتمر حول مواضيع معينة والتدخل في تركيبة اللجان و«حشر الموالين» و«تم ذلك أمام صمت رئيس المؤتمر وامتعاض القضاة». وأكدت الوثيقة الدور الباهت لرئاسة المؤتمر وتدخل بلقاسم البراح أحد مساعدي رئاسة المؤتمر لتعيين «الموالين له وللطفي الدواس وللمكتب المتخلي ضمن مختلف اللجان بما في ذلك لجنة الفرز التي ترأسها المتفقد العام كعادته مما أثار حفيظة القضاة وقناعتهم بأن النتائج ستسير على شاكلة المؤتمرات السابقة». بطاقات احتياطية والخطير في هذا التقرير ما ورد بالصفحة الرابعة على لسان كاتبه «وقد سارت الانتخابات وفق هذا النسق وأتت النتائج تبعا للتعليمات وقد أسرّ لي قاضيان من ضمن المطلعين على الوضع بأن الأمور مرتبة ترتيبا محكما وان هنالك بطاقات احتياطية لتعديل النتائج التي ستكون وفق التعليمات دون اعتبار لإرادة الناخبين». الاستنتاجات وقدم التقرير في الختام مجموعة من الاستنتاجات من بينها «اعتبار المؤتمر ناجحا إلى حدّ كبير وقد تابعته وسائل الاعلام وبينت من خلاله تجاوب القضاة مع السيد الرئيس زين العابدين بن علي» و«ارتياح القضاء لكلمتكم (وزير العدل) واعتقادهم الراسخ بأنه لا سبيل إلى تحسين وضعهم إلا من خلال التجاوب معكم وأن كل الأساليب الأخرى لا تجدي». «تعتبر التركيبة الجديدة للمكتب متوازنة نسبيا ويمكن في ظروف أحسن باستثناء حالة أو حالتين كسبها أو كسب أغلبيتها لصالح الوزارة ولا أعتقد أنها ستشكل عائقا أمام أي قرار قد تتخذونه». ولم يخف كاتب التقرير الحرج الذي كان عليه أغلب القضاة «نتيجة النظرات التي كانت تترصّد تنقلاتهم واتصالاتهم بقاعات المؤتمر، وقد سارع الكثير منهم بالانسحاب بمجرّد حصول عملية الاقتراع». التقرير جاء مذيلا باسم محمد الصالح بنحسين المدعي العام المستشار لدى وزير العدل وحقوق الإنسان. انقلاب مع الإشارة إلى أن جمعية القضاة التونسيين تعرض مكتبها المنتخب إلى انقلاب قادته السلطة سنة 2005، وكان المكتب متكونا أساسا من أحمد الرحموني وكلثوم كنّو وروضة القرافي ووسيلة الكعبي. ومنذ انقلاب 2005 اعتبر المراقبون أن جمعية القضاة دخلت مرحلة الولاء إلى نظام بن علي، وقد كشفت هذه الوثيقة عن مدى استخفاف السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية. وقد وقعت الوثيقة بالفضيحة السياسية وسط المعنيين بالمرفق العدلي وما كان يتعرّض له القضاة من سلطة بن علي. الوثيقة سيحسم أمرها القضاء.