تتسارع الخطوات نحو بناء كنفدرالية حزبية بين أبناء الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد وآفاق تونس وحزب العمل التونسي وبعض الجمعيات والشخصيات المستقلة. يبدو ان المشاورات الأولى لبناء الحزب الكنفدرالي نجحت نسبيا في ازالة بعض العوائق المبدئية والفكرية ولم تعد ما يجمع هذه الأحزاب الا المصلحة الواحدة في ضرورة تشكيل كتلة سياسية تقي الأحزاب من التشتت والاضمحلال وتكتب لها النجاح في حصد مقاعد في الانتخابات الرئاسية. ويعني هذا ان القطب الديمقراطي الحداثي الذي نشأ يوم 31 ماي 2011 وبدأ كتوليفة سياسية بين 11 حزبا وانتهى بأربعة أحزاب فقط خاضت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر الماضي وهي: حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري وطريق الوسط والحزب الجمهوري وبعض الشخصيات المستقلة، سيذوب في «حزب كنفدرالي» سيكون بمثابة الفسيفساء الحزبية والجمعياتية لمواجهة كتلة الترويكا المتألفة من حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل من اجل العمل والحريات والتي قالت عنها أحزاب المعارضة انها ترسم مسارا سياسيا خاصا للمجلس التأسيسي بعد ان انفردت بمناصب الرئاسات الثلاث وكل الحقائب الوزارية تقريبا. كتلة جديدة واستنادا الى ما قاله الاستاذان احمد نجيب الشابي الامين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي وجنيدي عبد الجواد عضو الهيئة السياسية لحركة التجديد فإن الاجماع داخل القطب الحداثي والحزب الديمقراطي الحداثي حول الصيغة الكنفدرالية للتوليفة الحزبية ومواصلة هذا الاتجاه نحو بناء حزب ديمقراطي تنضوي تحته بعض القوى الديمقراطية لكن هذا البناء لن يكتمل الا عبر المرور بمراحل طويلة ومعقدة للوصول الى الاندماج الكلي. وقد سمحت تجربة القطب الحداثي الديمقراطي بتقييم تجربة الاندماج الحزبي في المرحلة السياسية الراهنة، فالقطب مكّن الأحزاب السياسية المنضوية اليه من الحصول على عدد قليل من المقاعد تحت قبة التأسيسي لكنه شهد بعض العثرات والأخطاء التكتيكية فقد انتابه التشتت في صفوف مناضليه الذين خاض بعضهم الانتخابات بشكل منفرد على أساس حسابات حزبية دون اعتبار خصوصية هذه الانتخابات والمرحلة الانتقالية الراهنة. أخطاء القطب وقد سعت حركة التجديد رفقة بعض الجمعيات المواطنية والشخصيات السياسية ذات التوجه اليساري للدعوة الى تشكيل ائتلاف واسع بين كل القوى ذات التوجهات الديمقراطية والحداثية قبل انطلاق الحملة الانتخابية كان يمكن ان يعزز حضورها في المجلس التأسيسي ككتلة انتخابية ذات وزن وتأثير. كما أخطأ القطب الحداثي الديمقراطي في الاعلان متأخرا عن ميلاده والتعريف به ولأجل ذلك كان نفاذه الى الشارع التونسي محدودا جدا الى جانب تردد مناضلين في الوصول الى العمق الشعبي في الجهات الداخلية والانفتاح على مختلف الأطراف السياسية وغلبة لغة «الحساب» و«العقاب» و«الاجتثاث» في خطابه السياسي. وتعود بعض أسباب فشل تجربة القطب الحداثي الفسيفسائي في عدم الحصول على عدد أكبر من المقاعد في التأسيسي الى العجز عن تشكيل استقطاب مقابل لحركة النهضة له من القوة ما يجعله قادرا على صنع تيار انتخابي فقد غادرته الأحزاب التي انضوت اليه في البداية وانتهى الى ما يشبه «التجمع الهلامي» ولتجاوز كل هذه الاخطاء قررت مكوّنات القطب الحداثي عقد «زواج متعة سياسي» مع الحزب الديمقراطي التقدمي الذي مُني هو الآخر بهزيمة غير متوقعة في الانتخابات سعيا لتكوين جبهة ديمقراطية موحدة تجمّع المناضلين اليساريين وشق من الحداثيين حول ما أطلق عليه «مشروع سلطة ديمقراطية بديلة» من خلال الاتفاق على مرشح موحد للانتخابات الرئاسية القادمة وعلى مرشحين للانتخابات التشريعية والبلدية. لا أحد يمتلك الحقيقة وعلى أساس هذه الاتفاقات يمكن رسم خطة تدخل موحدة واضحة المعالم واعداد آلة انتخابية لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ويعتقد بعض مناضلي القطب الحداثي أن مشروع الحزب الكنفدرالي «هو المخرج لإنقاذ الجمهورية من الوقوع تحت يد الترويكا والحركة الاسلامية وتحويل الحركة الديمقراطية من شتات الى بديل حُكم مباشر وإتاحة حلول انتقالية تؤهل البلاد للخروج من الازمة والانخراط في طريق البناء والتقدم» لكن تقييم التجربة الائتلافية المنتظرة قد لا يكون موضوعيا ومنصفا قبل وضع التجربة على محك الواقع ولن يتسنى لها النجاح الا اذا خرجت من طور «رد الفعل» على ائتلاف الترويكا الى طور التأسيس لتجربة سياسية جديدة تؤسس لمشروع سياسي فكري حداثي بمرتكزات مختلفة قريبة جدا من الواقع التونسي وملتصقة بهواجس التونسيين بعيدا عن الطوباوية ونزعة امتلاك الحقيقة والتعالي عن هموم الناس.