وزارة الشؤون الدينية تؤكد عدم تسجيل اية حالات ضياع للحجيج التونسيين خلال ادائهم مناسك الحج    وزير التربية يؤدي زيارة تفقدية إلى مركز اصلاح الباكالوريا بولاية المنستير    "الرقصة الفاسدة" تهز إسرائيل .. تفاصيل فضيحة دعارة واتجار بالبشر تورط فيها مهاجرون وعنصر حرس الحدود    انس جابر تشارك من 16 الى 22 جوان في بطولة برلين على الاراضي العشبية    ديوان التونسيين بالخارج ينظم مصيفا لفائدة 70 مشاركا من ابناء التونسيين بالخارج في مدينة الميدة من ولاية نابل    ، النفطي يترأس الوفد التونسي في أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث بمدينة نيس    أخبار مطمئنة من مكة: الحجيج التونسيون في صحة جيدة [صور + فيديو]    فرنسا تهزم ألمانيا وتحرز المركز الثالث بدوري الأمم الاوروبية    كونكت تنظم ورشة عمل ضمن الدورة السابعة للبارومتر الوطني لصحة المؤسسات الصغرى والمتوسطة    ترامب يأمر بنشر 2000 عنصر من الحرس الوطني بعد مواجهات عنيفة مع المحتجين في كاليفورنيا    زيت الزيتون التونسي يتألق دوليًا: 57 تتويجًا في مسابقة إسطنبول لجودة الزيت    بعد عقود من الغياب: أول "بيركن" تظهر للنور في مزاد عالمي    وزارة الفلاحة وبنك التضامن يصدران منشورا يقضي بتمويل موسم حصاد الاعلاف الخشنة    بعد الخسارة أمام النرويج.. إقالة سباليتي من تدريب إيطاليا    35% فقط يصلون إلى البكالوريا... أين الخلل؟    7 نصائح لحماية سيارتك في صيف تونس الحار...تعرف عليها    أشهر نجم على تيك توك موقوف في مطار أمريكي... والسبب صادم    حتى في البحر والمطار: استخراج وتجديد جواز السفر أصبح أسهل من أي وقت مضى    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    عطلة جديدة تنتظر التونسيين في نهاية شهر جوان    شنوة لازمك تاكل في كلّ مرحلة من حملك باش تضمن راحة وسلامة ليك وللصغير؟    رفع أكثر من 45 ألف مخالفة اقتصادية في خمسة أشهر من 2025    توزر: برنامج استثنائي لتأمين رحلات بين ولاية توزر والعاصمة بمناسبة عطلة عيد الأضحى    السباحة ماكنتوش تحطم الرقم القياسي العالمي لسباق 400 متر حرة    عاجل/ حريق ضخم يلتهم 27 هكتارا من الحبوب والحصيدة في البطان..    رئيس البعثة الصحية لموسم الحج يدعو الحجاج إلى أخذ الاحتياطات اللازمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة    في ثالث ايام العيد.."الصوناد" توجه نداء هام للتونسيين..#خبر_عاجل    تطور التعويضات المالية المسددة من شركات التأمين بنسبة 3ر14 بالمائة مع أواخر الثلاثية الأولى من 2025    اللقطات الأولى لمحاولة اغتيال المرشح الرئاسى الكولومبى ميغيل أوريبى (فيديو)    تونس تلاقي منتخب إفريقيا الوسطى: نحو تكريس هوية هجومية تقطع مع التحفظ الدفاعي    عاجل/ النيابة العمومية تأذن بمباشرة الأبحاث حول شبهات فساد بهذه الشركة..    عاجل/ المقاومة تنصب كمائن جديدة وتوقع قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال..    3 علامات في رقبتك لا يجب تجاهلها: قد تكون إشارة لمرض صامت يهدد الملايين!    تراجع ملحوظ في تجميع جلود الأضاحي: 20% فقط تم جمعها مقارنة ب40% العام الماضي    عاجل: شبهات فساد بشركة اللحوم تُفجّرها زيارة برلمانية قبل عيد الأضحى    السبيخة: وفاة ثلاثيني سويعات بعد عقد قرانه    ما عندكش وقت للرياضة؟ تقسيم المشي على النهار ينجم يكون سرّ صحة قلبك    قصة رجم الشيطان في منى: عبادة تعبّر عن الطاعة والتضحية    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    أزمة مالية تهدد استعداد المنتخب الزامبي قبل مباراتي تونس الوديتين    طقس ... درجات الحرارة تتراوح بين 28 و43 درجة الأحد    سلامة غذائنا تبدأ من البحث العلمي: رسالة منظمة الصحة العالمية    السلطة تنفي "أي علاقة" مع أبو شباب وجماعته المسلحة في غزة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    ترامب يهدد ماسك ب"دفع ثمن باهظ"!    في حفل تكريم الموسيقي لسعد المؤخر ...موسيقيون لأول مرّة يجتمعون وبالذكريات يتأثرون    منح جائزة محمود درويش الأولى بعد الوفاة للشاعر الصغير أولاد أحمد عن مجمل أعماله (لجنة تحكيم)    مع الشروق : لوبيات الأضاحي    كأس الرابطة الإفريقية لكرة السلة : الإتحاد المنستيري يفوز على ريفيز النيجيري    الادارة العامة للاداءات تضبط الرزنامة الجبائية لشهر جوان 2025    1,6 مليار دولار: من هي الفنانة الأكثر ثراءً في العالم سنة 2025؟    فريق طبي بولاية القصرين ينقذ حياة مريضين تعرضا لجلطة قلبية حادة بفضل منصة "نجدةTN"    فظيع/ حادث مرور مروع يوم العيد..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    المنسق العام لموسم الحج بوزارة الصحة: "كل حجاجنا صعدوا عرفة ولم نُسجل أي حالة وفاة"    المنتخب التونسي يواجه جمهورية إفريقيا الوسطى : الوقت و المكان    بعد العيد، فرصة ثقافية للعائلة: الوجهة المتاحف!    طقس اليوم الثاني من العيد : هكذا ستكون الحرارة    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    









المسار الديمقراطي والخصوصية التونسية

قطعت بلادنا أشواطا هامة لإرساء مجتمع ديمقراطي يقوم على ثقافة الاختلاف والقطع مع منظومة الاستبداد والحكم الفردي والحزب السياسي الواحد المهيمن على الدولة.
هذا المعطى شكل منعرجا تاريخيا وحدثا عالميا كان لتونس شرف إطلاق شرارته في الوطن العربي يوم 17 ديسمبر 2010 بفعل احتجاجي بطله الشاب محمد البوعزيزي الذي أقدم على إحراق نفسه تعبيرا منه عن رفضه للقهر والتهميش، وهي حركة عكست رواسب المعاناة الفردية وامتدادا لاضطهاد الفئات الاجتماعية المهمشة التي كانت أحداث الحوض المنجمي لسنة 2008 صورة شاهدة على ما بلغته الجهات الداخلية من احتقان واهمال لغياب منظومتي العدل الاجتماعي والتوازن الجهوي، كل هذا أفرز حراكا اجتماعيا شبابيا عفويا ثائرا على القهر ومتصديا لآلة القمع رافضا الاستسلام من أجل الحرية والكرامة،
كما كان توظيف أحداث تقنيات الاتصال الحديث من انترنات ومواقع التواصل الاجتماعي آليات فاعلة وأدوات مقاومة توظف لأول مرة في تاريخ انتفاضات الشعوب بشباب تونسي وبخصوصية تونسية كانت مدعمة لكشف الحقائق مما زاد في إرباك النظام السياسي المستبد وجعله يفقد السيطرة أمام تنامي الحراك الاجتماعي وانتشاره في كامل البلاد فسقط الشهداء فداء للكرامة والحرية والذي بفضلهم صعد النقابيون والحقوقيون والفاعلون السياسيون من حراكهم الاحتجاجي لتدخل تونس يوم 14 جانفي 2011 في مشهد تاريخي كان شاهدا للمدّ الشعبي على امتداد كامل شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة في صورة رمزية معبرة سيكتبها التاريخ خصوصا وأن هذا المشهد انطلق من أمام تمثال العلامة التونسية عبد الرحمان ابن خلدون صاحب المقولة الشهيرة «العدل أساس العمران» ليتواصل إلى غاية مقر وزارة الداخلية وهو مشهد يختزل أبعاد ودلالات تعكس الرغبة في الانعتاق والطوق إلى الحرية والعدالة.
وانطلقت تونس في بناء عملية الانتقال الديمقراطي الحقيقي فبدأت الخطوات الأولى لهذا المسار في التشكل بخطى ثابتة قوامها القطع النهائي مع الماضي رغم الاهتزازات التي عرفها المجتمع من انفلاتات اجتماعية وأمنية واعتصامات وإضرابات وهي وضعية طبيعية ناتجة عن التقاطعات المتباينة في كل المجالات والكبت الخانق على امتداد عقود من الزمن وهي أصعب فترة تمر بها الشعوب في المرحلة الانتقالية لما يسودها من توتر واضطراب.
إلا أن ما يحسب لتونس أن مؤسسات الدولة عبر أجهزتها العسكرية والأمنية والإدارية استطاعت أن تحافظ على توازنات الدولة وحفظ مقوماتها الأساسية، ولعبت الحكومة المؤقتة في هذا السياق الدور الفاعل والمؤمن إلى جانب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات لبلوغ الموعد التاريخي لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 بسلام والإعداد لبناء وتركيز الجمهورية الثانية وكسبت تونس هذا الرهان كمحطة أولى للانتقال الديمقراطي وعرفت هذه الانتخابات نجاحا كبيرا عبر من خلالها التونسيون لأول مرة عن إرادتهم الحقيقية وذلك بشهادات عالمية واعتراف دولي لنزاهتها رغم ما تم تسجيله من ملاحظات ومآخذات لعل أهمها قياس حجم المقترعين بعدد المؤهلين للقيام بعملية الاقتراع إلى جانب بعض التجاوزات والانفلاتات المسجلة أثناء قيام الأحزاب السياسية بحملاتهم الانتخابية وهي تجاوزات لا تخلو منها حتى المجتمعات الأكثر عراقة في الممارسة الديمقراطية.
المهم في هذا السياق أننا كتونسيين استطعنا أن ننجز الاختبار الجدي والمسؤول بسلام في يوم تاريخي أصبح مرجعا وقياسا لمدى تحضر المجتمع التونسي وفرض إرادته ورغبته المطلقة للعيش ضمن نظام ديمقراطي تحترم فيه كرامته وتصان فيه حريته.
وضمن هذا الإطار سبق وأن كتبت مقالا في جريدة «الشروق» بتاريخ 21 سبتمبر 2011 تحت عنوان «تونس المستقبل» ذكرت فيه بالتحديد : «لا ننسى أن تونس كسبت موقع الطليعة يوم 14 جانفي 2011 وكسرت حاجز الخوف للقطع مع النظام السياسي الاستبدادي الفردي الفردي وهي مسؤولية تاريخية ستجعل العالم كله يوم 23 أكتوبر 2011 متجها نحو تونس والأكيد أن الشعب التونسي بإرادته القوية سيكسب هذا الرهان التاريخي عبر تطبيق الديمقراطية بشكل حضاري وشفاف ينم عن وعي اجتماعي ووعي سياسي مشترك يتوج بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي لصياغة دستور جديد لتونس المستقبل، تونس الديمقراطية».
هذه إذا مقتطفات من المقال الذي كتبته قبل الانتخابات والذي كنت فيه متفائلا ومتأكدا من نجاح هذه الانتخابات التاريخية من منطلق إيماني الشديد بأن المجتمع التونسي يحمل خصوصيات متميزة يخترن في داخله قيم التجذر والتأصل في هويته العربية الاسلامية وقيم التفتح والتواصل مع الآخر وتجمع بين هذه القيم سلوكيات التضامن والتسامح والاختلاف في الرأي والبناء المشترك لمستقبل الأجيال القادمة الذي يستوجب منا جميعا كتونسيين تأمين لهم أسس بناء المؤسسات الديمقراطية ويجب الانتباه هنا إلى أهمية ودقة مرحلة الانتقال الديمقراطي باعتبارها مرحلة بين مرحلتين ومساحة زمنية تتداخل فيها عناصر متباينة أي بين مرحلة نظام استبدادي مقيد ومكبل للمجتمع وبين مرحلة نظام ديمقراطي منشود يفتح آفاق الحرية للمجتمع لبناء ذاته بذاته ويكون ذلك بالأساس عبر استيعاب الفكر الديمقراطي.
وأعتبر أنه إلى حد الآن حققنا شوطا في المسار الديمقراطي ورسمنا خريطة الطريق بشكل حضاري، لكن مازالت أمامنا أشواطا أخرى أهمها في البداية اكتساب خبرات التدرب على الممارسة الديمقراطية سواء للمعنين بالشأن العام أو لباقي الأفراد والفئات ومكونات المجتمع المدني فالمسار الديمقراطي في هذه المرحلة دقيق وحساس وهو مسار بدأت تتجلى بعض الصعوبات التي اعترضته أثناء مداولات المجلس الوطني التأسيسي على إثر عرض مشروع القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية من خلال ما ظهر من جدل سياسي بين الفرقاء السياسيين وهو مشهد لم يتعود عليه التونسيين على امتداد عقود إن لم نقل لقرون.
فالديمقراطية تبنى بالاختلاف وليس بالاجماع والمهم في هذا المجال الالتقاء والتفاعل والارتباط المشترك برباط المواطنة باعتبارها حلقة الجمع لإرادة العيش المشترك وتأكيد الكرامة الانسانية التي لا تستقيم اليوم من غير المساواة الحقيقية وضمان الحريات الفكرية والسياسية.
ثم كان مشهد تاريخي آخر في المسار الديمقراطي يوم 13 جانفي 2011 على إثر تسلم السيد المنصف المرزوقي سلطة رئاسة الجمهورية من السيد فؤاد المبزع بطريقة حضارية ومؤثرة تفاعل معها التونسيون وشدت العالم لما تتضمنه من دلالات عميقة تعبر عن درجة راقية ومتحضرة في الفعل السياسي بخصوصية تونسية تحتوي على رسالة تطمئن وتؤمن المسار الديمقراطي وإعطاء الإشارة الأولى لدخول بلادنا مرحلة الشرعية لتسيير الشأن العام عبر تعاقد سياسي واجتماعي ظرفي قوامه احترام القانون ودولة المؤسسات واحترام الحريات العامة والفردية مع الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع.
فالقاسم المشترك بين الجميع هي قيم الديمقراطية بها نبني المستقبل وبها نحافظ على خصوصياتنا كمجتمع يحمل مقومات التجانس والقدرة على التعايش السلمي المشترك، والأكيد أن مزيد تفعيل روح التوافق بين الفاعلين السياسيين ووضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار وفاء لشهداء الثورة هو الخيار الأمثل لتأمين المسار الديمقراطي من كل الاهتزازات مهما كان نوعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.