تواجه الثورة رهانات تنموية وتربوية وثقافية تمر حتما عبر تحقيق العدالة الانتقالية وتكريس الديمقراطية والتحلي بقيم المواطنة ولكنها تقتضي كذلك ثورة ديبلومسية تراجع صلة البلاد بالعالم في مختلف تقسيماته هذا ما يفسر الاهتمام المتزايد المتميز بالشأن الديبلوماسي لا من قبل الحكومة ووزير خارجيتها ورئاستي الدولة والمجلس التأسيسي فقط إنما كذلك من قبل الجمعيات وممثلي المجتمع المدني والمنتديات... في هذا السياق تتنزل الندوة الفكرية التي نظمها مركز المواطنة والديمقراطية بأحد نزل العاصمة واختار لها المشرفون عليها عنوان أروبا والثورات العربية: الأفكار المسبقة والآفاق المستقبلية وقد تداول على الكلمة في هذه الندوة كل من السيد وسام معتمري ممثل وزارة الخارجية والسيد فانسون جستار المختص في الشأن السياسي المغاربي والباحث شكري الحمروني. حضر هذه الندوة العديد من الإعلاميين والمثقفين فامتدت المحاضرات ودام النقاش حوالي أربع ساعات اتسم فيها الحوار بطابع جدلي بل سجالي أحيانا قطع مع الأسلوب التعليمي التلقيني الذي دأبت عليه الندوات في السابق. الانفتاح على أقطاب جديدة يحد من التبعية الاقتصادية إلى بعض الدول قدم السيد وسام معتمري ممثل وزارة الخارجية مداخلة وجيزة عالج فيها «الخطوط العامة للسياسة الخارجية التونسية» مبرزا انفتاح الدولة التونسية على أقطاب اقتصادية جديدة وفق خطة الغاية منها توسيع خيارات التعاون والاستثمار والاستفادة من تجارب متنوعة ناجحة لا سيما تلك التي مرت بظروف شبيهة في جانب مّا أو في بعض الجوانب بما تمر به تونس اليوم وذكر في هذا السياق ألمانيا التي واجهت بعد سقوط جدار برلين مشكلة التفاوت في البنية التحتية والتنمية بين القسمين الشرقي والغربي فتمكنت في وقت وجيز من تدارك الفوارق وهي تجربة تستحق الاستئناس بها في معالجة الهوة التنموية بين الجهات في بلادنا. وفي سياق حديثه عن سبل التخلص من التبعية لبعض الدول الأروبية ذكر ممثل وزير الخارجية أن تونس ستوسع علاقاتها ببلدان شمال أروبا مثل انقلترا والسويد وفنلندا والدانمارك فضلا عن القوى الصاعدة كالهند وجنوب إفريقيا والبرازيل ... هذا الانفتاح حسب رأيه لا يوسع مجال الاستثمار والتعاون فقط إنما يقي من التأثر بالأزمات الاقتصادية التي تشمل من حين إلى آخر بعض الدول فلا يكون العمل بمنطق «وضع كل الغلال في سلة واحدة» بعض الجهات في فرنسا عادت إلى التأمر على الثورة التونسية بسبب صعود الإسلاميين لم يخف السيد فانسون استغرابه من بعض الجهات الفرنسية التي راجعت مواقفها بعيد الثورة وعبرت عن مساندتها للتحول الديمقراطي لكنها سرعان ما ارتدت وغيرت خطابها بمجرد صعود الإسلاميين إلى الحكم ونقل في هذا السياق موقف أحد المتطرفين اليساريين الذي أعلن تفضيله الديكتاتورية العلمانية على «الديمقراطية الدينية» مما يعيد إلى الأذهان الدعم الكبير الذي كان يجده نظام بن علي في سبيل محاربة الاتجاهات الإسلامية من قبل جهات متعددة تضحي بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان متى لاح في الأفق السياسي نجاح «لأصحاب اللحي» على حد تعبيره في السباق الانتخابي. الديبلوماسية التي نريد دعا الباحث شكري الحمروني القيادة السياسية إلى أن تتخلى عن التبعية الدبلوماسية فلا يقتصر دور البلاد التونسية على حماية السواحل الأروبية والتصدي للهجرة السرية مقابل استثمارات فرنسية أوإيطالية هينة من قبيل بعض «ورشات» صناعة الدجينز والأقمصة !!!...وكشف عن تصوره للدبلوماسية الجديدة التي ينبغي أن تراهن على مبدإ الشراكة وتتطلع إلى التعامل الندى دون الوقوع طبعا في دبلوماسية المواقف الإعلانية و«العنترية» فالنفاق السياسي مباح أحيانا في مجال العلاقات الدولية!! لا نجاح للاستثمار الخارجي إلا يتكريس مبدإ المواطنة نبه السيد منجي الفقيه الكاتب العام لمركز المواطنة والديمقراطية في كلمة خاصة بجريدة الشروق إلى أن المراهنة على الاستثمار الداخلي أوالخارجي مشروطة بتنامي الحس الوطني واستنكر في هذا السياق الاعتصامات غير المبررة وغير المنظمة لاسيما التي تعطل حركة المرور وتمنع المواطن من قضاء حاجاته أوممارسة حريته في الامتناع عن الاعتصام ثم تساءل هل يقتضى الإضراب بالضرورة انقطاعا عن العمل ألا توجد أساليب أخرى لإبلاغ المواقف تراعي التدرج والحوار... الانتخابات البلدية مطلب عاجل في نفس السياق أكد السيد منجى الفقيه أن الشأن البلدي هوأكثر المجالات التي تتكرس من خلالها قيم المواطنة وعليه فإن المجلس التأسيسي مدعوإلى الإسراع بتنظيم الانتخابات البلدية لأن النيابات القائمة ظلت في الغالب الأعم أبعد ما تكون في أدائها عن طموح المواطن وتطلعاته حتى يصبح شريكا فعليا في النهوض بحيه أو جهته...