هل ينصف البرلمان الأروبي شعب تونس؟ ينظر البرلمان الأروبي يوم الثلاثاء 19 يناير الجاري 2010 في ملفات حقوقية منها الملف التونسي وقد سبق للبرلمان الأوربي فضلا عن دوائر رسمية وغير رسمية غربية وأروبية أخرى كثيرة على إمتداد عقدي الجمر الحامية منذ إنتصاب دولة البوليس في تونس من مثل الخارجية الفرنسية في عهد الرئيس السابق جاك شيراك والخارجية الأمريكية ذاتها بمناسبة إنتخابات أواخر 2009 إلخ .. أن أدان الأداء الحقوقي التونسي الرسمي مرات ومرات وذلك بالرغم من الشراكة التونسية الأروبية القوية بصفتها أول بلد عربي وإفريقي ينخرط في تلك الشراكة.
كيف يختار البرلمان الأروبي أحد أوفى شركائه؟
نذكر جميعا مدى الهستيريا الحكومية التي إنحدرت إليها الدولة التونسية في بداية عقدي الجمر الحامية ( تحديدا عام 1991 ) وذلك عندما أصدرت الخارجية التونسية بيانا رسميا تصنف فيه أشهر منظمة حقوقية دولية وأكثرها مصداقية وأعرقها أيضا ( منظمة العفو الدولية1961) بأنها خلية من خلايا حركة النهضة التونسية ... لعل ذلك يكون مثالا وافيا على الإنحدار السحيق الذي تردت فيه الحكومة التونسية ( التي يسميها الحقوقي الدولي البارز الدكتور هيثم مناع بأنها عصابة نهب وسلب لا تنطبق عليها مواصفات الدولة )..
وإنتهاجا لمسار التردي والتخبط ذاته ما فتئت الحكومة التونسية تنعي على كل هيئة غربية أو أروبية رسمية أو أهلية إنحيازها إلى الحركة الحقوقية التونسية وتغدق عليها من كرم النعوت التونسية ما تنأى عنه الألسنة التي تحترم نفسها وبذلك يكون تظلم التونسيين إلى البرلمان الأروبي مثلا تخابرا مع جهات خارجية تكن العداء لتونس وشعبها وحكومتها بل عدت الحكومة التونسية ذات يوم مجرد الفرار إلى أروبا طلبا للجوء السياسي وإتقاء للقمع والتعذيب والموت البطيء خيانة وطنية .. كما يعد ذلك وغيره مما يضيق عنه هذا المجال إستعانة بالأجنبي وتدخلا منه في الشؤون الداخلية التونسية ..
عندما يتوقف البرلمان الأروبي عند ملف أقوى شركائه..
عندها لا يصدق الناس أن البرلمان الأوربي يحابي المعذبين والسجناء السياسيين والإعلاميين مكممي الأفواه والحقوقيين المحاصرين .. لا يصدق أحد فوق الأرض أن البرلمان الأروبي يحابي أولئك على حساب أقوى وأوفى شريك إقتصادي له سيما في دنيا العروبة والإسلام والقارة الإفريقية .. لا يقودك العقل الحصيف والنظر الأريب إلا إلى رأي واحد تطمئن إليه وهو أن البرلمان الأروبي إضطر إضطرارا كبيرا جدا ومحرجا جدا وهو يتناول الملف الحقوفي التونسي .. لا شك أن المأساة الحقوقية التونسية بلغت ذروة الذروة .. وهل هناك درك أسحق من الإبقاء على الدكتور الصادق شورو في السجن منذ عام 1991 بتهمة الإنتماء إلى جمعية غير مرخص فيها وهي حركة النهضة التي ترأسها ذات يوم .. بل هل هناك من درك أسحق من محاصرة السجناء السياسيين المسرحين بعد أزيد من عقد ونصف من الموت البطيء في السجون ولكن لم يمت منهم بسبب ذلك إلا حوالي عشرين .. محاصرتهم إجتماعيا وإقتصاديا تجويعا وبثا للروع والتخويف من حولهم .. ثم جاء الدور على شخصيات أخرى كثيرة كثير منها ينتمي إلى قطاع المثقفين المستقلين من مثل توفيق بن بريك بسبب مقالة له في أشهر الصحف الفرنسية ومن مثل زهير مخلوف أما عن وأد الأحرار في أوطانهم وأد الأموات فحدث ولا حرج ولك مثلان بارزان : المناضل السياسي والإعلامي عبد الله الزواري والدكتور المنصف بن سالم .. بل هل هناك من درك أسحق من تلفيق التهم الموجعة ضد معارضين بارزين من مثل سهام بن سدرين والأديبة التونسية الكبيرة أم زياد ( نزيهة رجبية ) .. تهم في الأعراض بمثل ما فعل بالسيد علي لعريض الناطق الرسمي بالنيابة لحركة النهضة عام 1991 بعد سجنه بأيام قليلة حيث سلطت عليه الدولة كلابها من خطباء الجمعة وبرنامج الإسلام والحياة.. لك أن تقول بإطمئان كبير جدا بأن الحكم الجديد في تونس قتل السياسة عمدا وقتل الحرية الإعلامية عمدا وقتل الحركة الحقوقية عمدا ولا أدل على ذلك من قتل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الممنوعة من عقد مؤتمرها العادي منذ أزيد من عشر سنوات كاملات.بل قتلت الحكومة أعتى منظمة عمالية نقابية أي إتحاد الشغل .. قتلت الحياة الجمعياتية وفرضت الخوف على الجميع وحولت البلاد بحق ليس فيه أدنى ذرة من مبالغة إلى ثكنة عسكرية متأهبة في حالة طواري زودتها بحوالي 150 ألف شرطي رسمي أما الشرطة المدنية فلا حصر لها .. هل هناك من درك أسحق من أن المواطن التونسي إذا أراد أن يدخل محلا عموميا للإنترنت فإن عليه أن يودع بطاقة هويته بين أيدي صاحب المحل الذي يمده بدوره إلى وزارة الداخلية ضمن تقرير ينبه إلى المواقع الإلكترونية التي أبحر فيها ذلك المواطن.. ذلك هو الذي حصل مع ما عرفوا قبل سنوات بشباب جرجيس وكان جزاؤهم السجن لسنوات طويلات وهو الأمر ذاته الذي حصل مع عبد الله الزواري وقضى بسببه عاما سجنا..
أنى للبرلمان الأوربي أن يمنح شريكه الإقتصادي فرصة أخرى..
البرلمان الأوربي مجبرا إجبارا على تناول ملف شريكه الإقتصادي التونسي بعدما زكمت ريح الحالة الحقوقية المأسوية في تونس أنوف سكان المعمورة الأرضية .. سكت عنه سنوات طويلات وحذره بمثل ذلك مرات ومرات .. ولكن الشريك الإقتصادي تمادى في غيه وأصر على بناء مشروعه الحكومي على إعتبار الحكومة والرئاسة والقصر وعائلة الحكم محرمات قطعية يحميها بعصا البوليس الغليظة وأعطى في ذلك درسا لكل التونسيين مبكرا وذلك من خلال الدرس الذي لقنه لحركة النهضة ثم للعالمانيين الذين إنخرطوا في المعارضة الحقيقية الجادة بعد ذلك .. أي بعد أن أيقنوا أن وراء التخلص من حركة النهضة ليس هناك جنة موعودة ولكنه سجن يترقب كل لسان وكل قلم وكل حركة وكل إنتظام وكل تحزب ..
سقطت كل الدعاوى التي راهن عليها الحكم في تونس فلا بد من إدانته.
راهن الحكم في تونس على حركة النهضة أن ترد الفعل إنتقاميا في السنوات الأولى من عقدي الجمر الحامية فيلتقط الحالة الجزائرية ويبرر العنف غير المسبوق .. راهن على ذلك ففشل فشلا ذريعا .. ثم راهن على ظهور صحوة تدين تونسية تنتهج نهجا يبرر ضربها بشدة بمثل ما وقع في بعض أرجاء ليبيا والمغرب الأقصى والسعودية وغيرها .. راهن على ذلك ففشل.. راهن على إنحياز اليسار إليه في ضربه للحركة الإسلامية .. راهن ثم فشل .. راهن على تقبل العالم لأكذوبة وصفته الطبية المزورة : أكذوبة إكتشافه للبسلم الشافي لنشوء ونمو الحركات الإسلامية فإعتمد خطة تجفيف منابع التدين .. صدقه العالم سنوات معدودات ثم دارت الأيام عليه لولا أن أحداثا دولية مؤلمة عضدت من جانبه من مثل كارثة سبتمبر 2001 وأخواتها في لندن وغيرها .. راهن مرة أخرى على ذلك ففشل.. ورهانات سياسية أخرى كثيرة حاول توظفيها ففشل .. ولم يسعفه في كل ذلك سوى ترسانته الأمنية العتيدة بشريا وماليا وعدة كأنما هو في مواجهة إسرائيل المغتصبة.. ترسانة شيدت للخوف في كل مكان من البلاد مثابة.. كما أسعفته الحالة الدولية والعربية سيما بظهور سفاح العصر جورج بوش الإبن ودق طبول الحرب ضد الإسلام والمسلمين بدء بالحرب ضد البلقان ثم العراق وأفغانستان وفلسطين .. وحالة عربية شنت الحرب بصورة أو بأخرى ضد الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية وإنحازت إلى معسكر التطبيع مع العدو المغتصب ..
لم يبق للحكم في تونس إلا دعوى واحدة مازال يعمل على تسويقها كذبا وزورا وهي أنه حقق بشراكته الأروبية الإقتصادية للتونسيين ما لم تحققه بلدان عربية وإسلامية أخرى .. حتى لو سلمنا بعشر معشار ذلك ولن نسلم به حتى تتوقف حركة قوارب الموت أو تخف وطأتها علينا أو قبل أن يأمن التونسي خاصة صاحب المشروع على نفسه وماله من أيدي عائلات القصر حتى لو سلمنا بعشر معشار ذلك فكيف يكون ذلك مبررا لقتل قيم الكرامة والحرية في التونسيين .. أنى يكون ذلك مسوغا كافيا لوأد الألسنة وقطع الأقلام وبث الرعب في كل مكان.. إنها المقاييس المقلوبة رأسا على عقب..
على البرلمان الأروبي أن ينقذ نفسه.
أجل. عليه أن ينقذ القيم التي بنى عليها أجداده وأباؤه أروبا من أن تدوسها عصا البوليس التونسي. يدوس الحكم التونسي تلك القيم عندما تحابيه أروبا على حساب القيم التي إشتراط الإلتزام بها في مقابل الإنتماء إلى النادي الأروبي الإقتصادي .. فهل وفت أروبا بما وعدت أم قايضت قيمها ( وهي قيم في الحقيقة عالمية إنسانية لم تكن أروبا هي السباقة بها ولكن سبقت بها ) بشراكة إقتصادية مع تونس..
على البرلمان الأوربي أن ينقذ القيم التي بنيت عليها أروبا .. أما التأخر عن ذلك سيما بعد ما ظهر له جليا أن الوضع التونسي معافى من التطرف والإرهاب ( إلا التطرف الحكومي والإرهب الحكومي ).. أما التأخر عن ذلك فهو إدانة لأروبا ذاتها.. لقد صمت البرلمان الأروبي عقدين كاملين تقريبا بالرغم من بعض اللفتات الحقوقية منه في مرات قليلة على إنتهاك شريكه الإقتصادي للقيم الإنسانية العليا من مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة .. صمت عن ذلك يوم كان الإسلاميون يسامون الخسف في السجون وتطحنهم عجلة الموت البطيء حتى قضى منهم من قضى .. فهل يصمت البرلمان الأروبي نفسه اليوم بعدما جاء الدور على مثقفين مستقلين وغير مستقلين تونسيين ليس لهم من جريرة سوى الكتابة بالقلم والتعبير باللسان أو الإنتماء إلى أحزاب مرخص فيها .. نأمل ألا يصمت كما صمت في السابق.. صمته في العقدين المنصرمين لم يكن مبررا فإن صمت هذه المرة كذلك فلا يعني ذلك سوى أن برلمان أوربا بدأ يحفر قبرها بأسنانه .. أروبا ليست في المحصلة سوى منظومة قيمة فإن أنقذها برلمانها بإعادة الإعتبار لتلك المنظومة فقد أنقذ نفسه وأنقذها وإن تجاهل ذلك في وجه شريك إقتصادي وفي مثل تونس حتى والسجون تأكل الرجال والنساء منذ عقدين كاملين في تونس إن تجاهل ذلك فلك أن تبكي أسفا على أروبا التي ثارت ذات يوم ضد صلف الكنيسة وكبر الأباطرة وهي اليوم تسند الصلف التونسي بالصمت المريب والكبر الحكومي التونسي بالتجاهل الأعجب..
آن لعالمانية أوربا أن تدافع عن قيمها .. إنما العالمانية قيم هي قيم الحرية والديمقراطية والحريات خاصة وعامة.. فإن رعت العالمانية ذاتها بذلك فقد أنقذت نفسها وإن إنخرطت في جحافل دبابات تدك كرامة الإنسان في السجن وخارج السجن .. فقد تودع منها ومن تودع منه فقد مات وليس الموت كفا عن الأكل والشرب والعربدة ولكن الموت موت القيم ..
فهل ينصف البرلمان الأروبي شعب تونس .. هل ينقذ البرلمان الأروبي نفسه من صمت مخجل دام عقدين كاملين تقريبا.. هل ينقذ البرلمان الأوربي قيم العالمانية الأوربية أم يبيعها رخيصة بخسة في سوق النخاسة الحكومية التونسية مقابل دريهمت معدودات لشراكة تونسية إقتصادية..