بعد مضي سنة، هل حققت الثورة التونسية استحقاقاتها ؟.. ما هي صعوباتها ؟.. وما هي آفاقها ؟... دور اتحاد الشغل في انتفاضة الشعب... أسئلة طرحتها «الشروق» بولاية صفاقس فكان التحقيق التالي : عام من الثورة مر عاشت خلالها البلاد فترات عصيبة ومخاضات عسيرة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.. سنة فارقة في تاريخ تونس كانت حبلى بالأحداث المتسارعة انطلاقا من تولي الغنوشي رئاسة البلاد طبق الفصل 56، ومرورا بالاضطرابات والاعتصامات والاحتجاجات التي شملت مختلف جهات البلاد، ووصولا إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وتشكيل الحكومة... وبين هذه النقاط المفصلية برزت قرارات وملفات مصيرية... فهل ما تحقق إلى حد الآن يستجيب فعلا إلى استحقاقات الثورة؟ وهل أمّنت تونس فعلا طريق المسار الديمقراطي؟ وما هي البدائل المطروحة حتى نتجنب الانحراف عن هذا المسار؟.. اتحاد الشغل احتضن الثورة يرى الكاتب العام للفرع الجامعي للصحة بصفاقس السيد عادل الزواغي أن اتحاد الشغل كان الحاضن لثورة 14 جانفي محليا وجهويا ووطنيا، فمن مقرات الاتحاد خرجت المسيرات التي تنادي بإسقاط النظام، وقد صدحت حناجر الشعب التونسي بشعارات الإتحاد ومنه انتظمت المسيرات وما رافقها من مظاهر الاحتجاج التي جوبهت بالرصاص الحيّ فاستشهد الكثير من شبابنا وهم في زهرة العمر رحمهم الله تعالى . وأضاف عادل الزواغي أن دور المستشفى الجامعي بصفاقس كان رياديا، ففي 30 ديسمبر كانت أول مسيرة في وجه الطاغوت، وفي 7 جانفي تمكن النقابيون من الفرار بجثمان شهيد منزل بوزيان محمد عماري من المستشفى، وقد رفعنا جثمانه في مسيرة ليلية ضخمة أربكت النظام. ويؤكد الكاتب العام للفرع الجامعي للصحة بصفاقس أن أهداف الثورة لم تتحقق بعد باعتبار قوى الردة المتربصة بها، والمطلوب حماية ثورة الشعب وتحقيق أهدافها، وضمان استقرار البلاد وحمايتها من أي تدخل أجنبي مع ضرورة ضمان استقرار البلاد بما يخدم الصالح العام. هيئة محايدة و مستقلة المحامي الأستاذ زبير الوحيشي عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكد أن أهم انجاز تحقق في هذه السنة التي تلت ثورة 14 جانفي هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة هي الأولى في تاريخ تونس عكست حقيقة إرادة الشعب التونسي أفضت لأول مرة في تاريخ البلاد إلى تداول سلمي على السلطة من الحكومة المؤقتة السابقة إلى الحكومة المؤقتة الحالية وهي انتخابات جرت بإشراف هيئة مستقلة ومحايدة. أما السلبيات فيمكن تلخيصها في عدم انكباب مختلف الحكومات المتعاقبة على الملفات التي شكلت مطالب الثورة لعل أهمها المحاسبة وتطهير القضاء وضمان استقلاليته عن السلطة التنفيذية، وتكريس آليات تضمن حرية الصحافة، إضافة إلى وجوب وضع الضمانات اللازمة لتكون الانتخابات القادمة خاضعة لإشراف مستقل يضمن الحياد. تجاوز خطوط الفقر ؟ في حين اعتبر الكاتب والمخرج المسرحي رياض الحاج طيب أن الثورة التنموية هي أهم ما يجب تحقيقه بعد عام من الثورة من خلال العمل على تجاوز خطوط الفقر بالمناطق المهشمة وتوفير الحد الأدنى من آليات العيش الكريم، ومن هذا المنطلق فإن الثورة مازالت قائمة ومستمرة ولكنها ثورة سواعد وفكر وبناء وطرح أنموذج دقيق وأهداف واضحة وسريعة التحقيق، ومنها الإصلاح السياسي الذي يحتاج إلى إجراءات وقرارات، إضافة إلى الإصلاح الاقتصادي الذي يبقى بدوره في حاجة أكيدة إلى إمكانيات مادية ورؤية واضحة، وتصورات خصبة وموضوعية للحلول الناجعة للمشاكل القائمة. ومن هنا يضيف الحاج طيب وجب طرح مشاريع وأفكار ذات صبغة واقعية وقابلة للتنفيذ لتجاوز خطوط الفقر بالجهات المهشمة لتمثل حلولا تنفيذية واقعية وتجنب الأفكار المرتجلة التي قامت بها الحكومة المؤقتة السابقة مع تجاوز المشاكل في الجهات التي تكاثرت فيها الاعتصام والاضطرابات ليعود الاقتصاد إلى دورته السابقة لتحقيق النمو المنتظر في الفترة الراهنة مع وجوب التكامل في تجاوز المشاكل، وعلى الجهات تحديد الأولويات والطلبات المستعجلة التي تؤدي إلى استقرار الوضع لتوفير مناخ التنمية وفتح الأبواب إلى الاستثمارات الأجنبية وهذا يتطلب تحديد الخيارات والتعجيل بمقترح مثال تنموي شامل يؤسس إلى بنية اقتصادية تفضي إلى توزيع عادل للثروات. تخوفات... وفي جبنيانة يرى سامي بلحاج (معلم) انه « من حق الشعب التونسي أن يعلن تخوفاته على مستقبل الديمقراطية بالبلاد نظرا للتجاوزات التي صدرت من أطراف مختلفة مثلت تهديدا صارخا للحريات الشخصية و حياة المواطنين في حين مازالت الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية معلقة على رفوف مكاتب الوزارات. هذا الرأي يشاطره فيه الشاب عبد الرؤوف الغالي (مهاجر بألمانيا) الذي أكد «أن التونسيين بالخارج ضاقوا ذرعا بخطابات النظام النوفمبري الجوفاء و هم يخشون من تواصل سياسة ازدواجية الخطاب لدى الحكومة المؤقتة ، فالمهاجرون يأملون أن تنتهج الدولة أسلوبا حضاريا في تعاملها مع ملف الهجرة، وأن «تقتلع»حقوق أبنائها خاصة من الدول الأوروبية». وفي المقابل كان الشاب توفيق اللافي (مهاجر بفرنسا )متحمسا لنجاح الثورة بقوله «قضيت أكثر من 15 سنة في الهجرة و الآن أطمح إلى إقامة مشروع اقتصادي بتونس غير أني مازلت متخوفا من قدرة الحكومة على تحقيق أهداف الثورة فالممارسات يبدو أنها لم تتغير خاصة في الأوساط التي تسدي خدمات للمواطنين المهاجرين». كما اعتبر حسن الغرسي (موظف) «أن الوطن يحتاج إلى فترة زمنية معينة حتى يجني ثمار الثورة منددا بتنامي ظاهرة الإضرابات و الاعتصامات التي تهدف إلى عرقلة الاقتصاد، وزعزعة أمن البلاد مضيفا انه لا بد أن نمنح الحكومة الوقت الكافي للقيام بالإصلاحات والبرامج المعلن عنها، ومؤكدا أن البلاد قد خرجت من عنق الزجاجة و تجاوزت بعد انتخابات التأسيسي المرحلة العسيرة. السيد حمادي عبد الله (أستاذ تاريخ) قال « كل ثورة تؤدي إلى تغيير عميق للخصائص الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للمجتمع لا بد أن تواجه ثورة مضادة أو حرب ردة حيث تنشط القوى الرجعية من أجل الجذب إلى الوراء وهذا ما تشهده البلاد وهي مسألة منطقية جدا من وجهة نظر تاريخية باعتبار أن الثورة قد أفرزت جدلا بين الفئة الحاكمة التي أزاحتها و القوى التي عوضتها في قيادة الشأن العام .