«لم يتغير شيء» هكذا تمتمت امرأة وهي تغادر المكان، كانت تشاهد خلف الحواجز حصانا محاصرا يرفض الرقص على بروتوكول النظام الزائل. تابعتها وهي تغادر المكان مسرعة، بين المترجلين الغير مهتمين بما يجري في الشارع الكبير. مر المترو الخفيف، وغابت المرأة عن الانظار وبقي صدى قولها يتردد في أذني...! أتذكره طيلة أيام الدورة... كلما شاهدت عرضا مسرحيا عربيا أو غربيا يفتقد مقومات الفعل المسرحي... كلما شهدت على سلوك افراد، يحتجون،... يستهجنون... «ينبرون»... «يسمسرون» في قاعة العرض أو في نزل أفريكا.. كلما بحثت عن برنامج الدورة ولم أجده لألتحق بالقاعات قبل نهاية الأيام بيومين كلما تغير توقيت المشاهدة أو تأجل... كلما غاب عرض، كان مبرمجا كلما توجهت باكرا الى التياترو أو الحمراء للحجز «بآخر ساعة» أو «الخلوة» ويقال لي اقطع التذكرة! أقول: بكل سرور الثمن عشرة دنانير...؟ سألت وتساءلت، ان كانت هذه العروض مبرمجة كما ذكرت بكتيب البرنامج أم هي لعبة مسرحية كواليسها غير مكشوفة.؟ لا أحد يعمل بادارة الدورة يقول الحقيقة كاملة... فالكل يبتسم... والكل يلاطف... والبعض يراوغ... «لم يتغير شيء» قالوا انها دورة للمحترفين والأطفال والهواة. أبعد تجار الصناعة المسرحية عن الأعمال الشبابية المحترفة فالسوق للكبار وليست للصغار ألقوا بمسرح الهواة في فضاءات هزيلة ومريضة (فضاء دار الثقافة باب العسل) وتاه مسرح الطفل عن الطفل بين كثافة الأعمال الموجهة للكبار واستقبال «طيور الجنة» بمعلقات الاشهار. قالوا ان ايام الدورة دارت في كل المدن. وظل تونسي القرية والريف والدشرة، محروما حتى من المشاركة في فضاء خيالي ابتناه بهلواني أو حكواتي... في أيام الدورة لاحظت كل الأشكال القديمة قبل الثورة أشكال الحضور وفراغ المضمون جمالية المبنى وسطحية المعنى حضارة التمظهر وفكر متحجر ليست خيبة أمل بل ثقافة عمل بنية تفكير محصنة بأسوار النظام القديم قالب لغوي فيه من التشابيه والاستعارات ما يرضي السلطان والأمير ويعطي شهادة خبير، في السياسة، لمركبه وقائله، والحارس على توزيعه. هكذا كان افتتاح الدورة بنقطة الجاذبية، عنوانها «احتفاء المسرح بالثورة» وأغلقت في اختتامها بكلمات مديرها الرنانة على ركح المسرح البلدي. في داخل دورة قطرها سبعة أيام ندوة حول «مستقبل المسرح بعد الثورة» وكأن الثورة اكتملت الى درجة أنها غيرت من أنفسنا، فأصبحنا نتساءل عن مستقبل المسرح. لقاءات وورشات كان قدرنا معها قراءة عناوينها في كتاب الدورة، دون الممارسة أو دليل على تاريخها ومكان نشاطها وأشغالها. مظاهر استقبال في النزل والمطاعم وتبذير لا ينتهي تمجيد لنقطة ايجابية وتغييب لنقاط سلبية وإن تفطن إليها الاعلام يقع تبريرها بضعف المال أو بدورة استثنائية أقيمت في ظروف صعبة. المشكل إذن يكمن حسب رأيي في تفكير يشتغل داخل منظومة تقوم على الشكل والتمظهر وبناء استراتيجية تضع ضمن أولوياتها أهدافا سياسة، اقتصادية، فيقع استغلال الطاقات المادية والمعنوية من أجل رسم صورة سماوية جميلة، تموه الداخلي والخارجي، وتوهم الذات والآخرين بكسب الرهان في تأسيس سوق للصناعة المسرحية. لم نكن ننتظر الغير متوقع من هذه الدورة، فقط ما كنا ننتظره شيئا بسيطا ينبع من فكر بسيط يكسر منظومة النظام القديم. كنا ننتظر عملا تلقائيا في افتتاح الدورة يشارك فيه المواطن المغيب عن الفعل المسرحي طيلة عقود. عروض جيدة، كتبت بأدوات الفرجة الحية المتطورة، يمكن أن تساهم في تكوين الشبان المولعين بالحركة المسرحية. زيارة المسرح لأماكن شعبية داخل العاصمة وخارجها حرمت طيلة سنوات الجمر من الفرجة الصادقة. تكريم التقنيين أو من جاهدوا في الدورات السابقة ولم يتحصلوا على شيء... وفي آخر الدورة صادف أن رأيت الممثل القدير حسن هرماس متألما، ذكر لي أنه قرأ باحدى الصحف اقتراحه ضمن الفنانين المكرمين بأيام قرطاج المسرحية ولم يقع ذلك... فتذكرت قول تلك المرأة «لم يتغير شيء».