هل تريد الجامعة العربية استنساخ المبادرة الخليجية في اليمن وتقديمها كمشروع لحلّ الأزمة في سوريا؟ سؤال تطرحه تفاصيل هذه المبادرة التي قدمتها الجامعة والقاضية بتسليم السلطة في دمشق الى نائب الرئيس السوري والذي سارع الرئيس السوري برفضها فيما سارع إخوان سوريا بقبولها. الواقع أن الحلّ السلمي للأزمة السورية بما يقطع الطريق على التدخل الأجنبي ويفضي الى حقن الدماء السورية هو مطلب يلتقي حوله كل الغيورين على وحدة واستقلال سوريا وسلامة شعبها. والواقع أيضا أن المساعي العربية تبقى شيئا مطلوبا ومحمودا إذا كانت خالصة لوجّه اللّه ولأجل سوريا وطنا وشعبا وبعيدة كل البعد عن الأجندات الاقليمية والدولية التي ما فتئت تغذي الأزمة وتؤجج نيرانها وتسعى جاهدة لاستغلالها وسيلة لكسر إرادة القيادة السورية واخضاعها لمتطلبات هذه الأجندات. وهنا هو مربط الفرس: هل أن مبادرة الجامعة هي عربية المنشإ والمآلات؟ أم تراها عربية المظهر أجنبية الجوهر؟ والاجابة عن هذا التساؤل توفرها العودة الى أهداف ونوايا الماسكين لخيوط الأزمة والنافخين في نيرانها في المحيطين القريب والبعيد لسوريا... وليس خافيا أن هؤلاء لا يتدخلون لأجل سواد أو زرقة عيون السوريين ولا لأجل نصرة حقوق الانسان والحريات وحق الشعب السوري في حياة سياسية متطورة... وإنما يركبون هذه القيم النبيلة وهذه الحقوق الثابتة والتي بإمكان السوريين التوافق حولها وحول السبل المؤدية الى تحقيقها لابتزاز سوريا وحتى «تأديبها» على خلفية مواقفها المبدئية من القضايا القومية وفي طليعتها موقفها الداعم للمقاومة في فلسطينالمحتلة وفي لبنان وفي العراق... وهي مواقف جلبت لسوريا انتقادات واضحة وصريحة من الكيان الصهيوني ومن أمريكا ومن دول غربية عدّة نجدها الآن في طليعة الطابور الساعي الى استهداف القيادة السورية من خلال تأجيج نيران الأزمة السورية الداخلية، وكذلك من خلال إنابة أطراف عربية (للأسف الشديد) لتمرير الأجندة، مع أن هذه الأطراف لا تظهر أي حماس لنصرة حقوق الانسان السياسية ولا الاجتماعية والاقتصادية لديها حتى أن بعض هذه الدول تكرس مع قيام الأحزاب السياسية في دساتيرها وتغيّب الواقع المزري لشرائح كبيرة من مواطنيها في وسائل اعلامها التي تسخرها (يا لسخرية الأقدار) لتأجيج الأزمة في سوريا. لأجل هذا، فإن هذه المبادرة العربية التي تفتقد الى النزاهة والمصداقية والحياد قد وُلدت ميتة، إذا كان مطلقو هذه المبادرة معنيين بالدم السوري ويهمهم استقرار سوريا وخروجها من هذه المحنة فما عليهم إلا السعي لتوفير أرضية صلبة لحوار وطني سوري بنّاء ونزيه ينطلق من ثوابت وطنية معروفة ويفضي الى ادخال الاصلاحات المطلوبة وتحقيق المطالب المشروعة التي يرفعها المتظاهرون بعيدا عن أي توظيف أو تدخل خارجي في الشأن الداخلي لسوريا.