حال جامعة الدول العربية كحال قناتنا التلفزية الوطنية فكلاهما يصرعلى التفنن في تسليط أسوأ العقوبات النفسية على المواطن الى درجة الاستهزاء به واستفزازه وهو الذي يدفع كرها لا طوعا من ماله وصبره النافذ ثمن استمرار بقاء المؤسستين, فحجم الصدمة التي أصابت المتفرج ليلة العيد وهو بين مكذب ومصدق لتلك الدعوات والابتهالات المجانية للمخلوع لا يقل وقعا عن حجم الصدمة التي مني بها المواطن العربي وهو يتابع ما حصدته الة القمع في سوريا في يوم العيد من ضحايا في حمص المنكوبة كما في غيرها من المدن السورية... وكما أكدت تلك الابتهالات المهينة لدماء أبطال الثورة وشهدائها أن رياح ثورة الكرامة لم تقرع بعد أبواب تلفزتنا الوطنية التي يبدو أنها في حاجة بدورها لرجة تعيد بمقتضاها ترتيب هياكلها تماما كما هو حال العديد من وسائل الاعلام التي تهيمن عليها تلك العقلية الحرباوية العاجزة عن تحديد خط مستقل واضح والقطع مع ثقافة الولاءات واللهث وراء ارضاء الاقوى, فان في مواقف جامعة الدول العربية أيضا وهي التي سقطت حتى الان في كل الاختبارات التي تعرضت لها ما يعكس حجم الماسي والكوارث الناجمة عن سياسة الحاضر الغائب في توجهات جامعة الدول العربية التي غيرت الرأس دون أن تغيرعمليا خطابها الخشبي أوممارساتها البائسة التي دأبت عليها كلما وجدت نفسها في خضم أزمة جديدة فتخرج في نهاية المطاف في صورة أسوا مما كانت عليه... عندما تم تعيين نبيل العربي على رأس جامعة الدول العربية وهي التي تجاوزت مرحلة النشوء والارتقاء منذ عقود قال الكثيرون أن في اجتماع صفتي النبل والعروبة في شخص أمينها العام ما يمكن أن يبشر بدور جديد للجامعة في مرحلة جديدة من عمر ثورات الشعوب المتطلعة للحرية والكرامة والعدالة, ولكن الواقع كان يؤكد في كل مرة أنه لم يكن من اليسيرعلى الجامعة العربية أن تخرج من أسرها وتعمل خارج اطار عمامة الحاكم العربي المستبد الذي جعل سلطته فوق سلطة الشعوب والمؤسسات والقوانين والدساتير فكانت الجامعة في خدمة الظالم بدل أن تكون في خدمة المظلوم... والحقيقة أن الجامعة العربية التي طالما أغمضت أعينها وصمت أذانها على سياسة الحكام العرب وتجاوزاتهم وخروقاتهم لابسط قواعد حقوق الانسان كانت في أغلب الاحيان تمثل طوق النجاة كلما ظهر تململ في صفوف المعارضين للقمع والاستبداد. ومن هذا المنطلق فان تصريحات نبيل العربي الامين العام لجامعة الدول العربية وهويردد بأن فشل المبادرة العربية في سوريا يعني الكارثة كانت فارغة من كل معنى وقد انطبق عليها الرأي القائل بأنها كانت اشبع بلزوم ما لا يلزم وربما لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن تلك التصريحات بل أن المبادرة أصلا قد تأخرت أكثرمما ينبغي ولم يعد لها موقع في الشارع السوري... وقد بات واضحا أن الاسد يعيش في عالم منفصل عن العالم السوري وأنه يرفض بالتالي الاستفادة من كل الدروس السابقة وتجنب مصير مماثل لمن سبقوه من الطغاة. ويكفي أن نسأل هل فتح الاسد الابواب أمام وسائل الاعلام الدولية لمتابعة ما يحدث في سوريا؟ وهل أفرج عن المعتقلين. وهل أخلى المدن من المظاهر العسكرية؟ والجواب طبعا لا. أما التوقف عند حدود استعراض أطوارالمؤامرة التي تتعرض لها سوريا فذلك ليس سوى كلمة حق يراد بها باطل وعندما تكون سوريا حصنا للقضايا العربية العادلة فان ذلك لا يمكن أن يكون سببا أو مبررا للاستهانة بحق المواطن السوري في الكرامة والانسانية وهوالذي بدونه لا يمكن لسوريا أن تكون حاضنة وداعمة لتلك القضايا... لقد فشلت الجامعة العربية ومنذ انطلاق الربيع العربي في مهده تونس في كل مرة في تبريرأسباب بقائها وبقاء ذلك الجيش من الخبراء والموظفين وما تستنزفه من أموال في لقاءات واجتماعات لا طائل من ورائها. لقد ظلت خيارات الجامعة العربية ولا تزال تلخص في القلق الشديد ومنه الى بيان للتنديد يقود الى اجتماع طارئ لم تفد يوما الشعوب المعنية بنتيجة ولن تفيدهم اليوم بشيء ولذلك فان الشارع السوري أعلن مسبقا التمرد على المبادرة وعلى اجتماع الجامعة المرتقب في الدوحة نهاية الاسبوع فقد زال وقع الصدمة في النفوس ليحل محله دورأصحاب القرارفي الخروج من مشهد لم يعد له من تبرير... واذا كان للجامعة اليوم بقية من شماعة تعلق عليها عجزها واخفاقاتها فقد لا يكون لها قريبا مجال لمواصلة سياسة النعامة في الرمل... آسيا العتروس