على قارعة شارع محمد الخامس قلب العاصمة جاثمة هي مدينة الثقافة صرح ينتظر من يزيل عنه غبار السنين لتظهر مفاتنه وتستوي جدرانه بعد أن كاد الاسمنت والحديد والحضائر تمحي تقاسيم جماله. على مساحة 8.6 هكتار وسط العاصمة تقع الأرض المخصّصة لمشروع مدينة الثقافة هذا المشروع الذي تمّ بعثه سنة 2002 وانطلقت الانجازات سنة 2006 وكان من المفروض أن يجهز سنة 2008 ثم تأجل الى 2009 لكن بقي المشروع قائما في مخيّلة الفنانين المثقفين والمبدعين ولم يكتمل الى حدّ اليوم. شبهات وغموض كثر الحديث حول هذا المشروع الذي بقي مشتّتا بين وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ووزارة التجهيز والاسكان، فالأولى حملت المسؤولية للثانية والعكس هو الصحيح. فالمشروع تمّ بعثه من طرف الرئيس السابق، لكن الشبهات كانت تحوم حوله منذ انطلقت أشغاله، حيث أن الأشغال تسير ببطء وفي كل مرة تقف تماما وكان المسؤولون على هذا المشروع في فترة نظام بن علي يمتنعون عن تقديم أية تفسيرات حول هذه التعطيلات. وتجدر الاشارة هنا أن مدينة الثقافة تشرف على انجازها مقاولة تشيكية وهي تدار من قبل وحدة التصرف التابعة لوزارة النقل والتجهيز في تنسيق مباشر مع إدارة البناءات بوزارة الثقافة ويشرف الدكتور محمد زين العابدين على وحدة التصرف التي تعمل على انجاز دراسات حول صيغ التصرف في فضاءات المدينة واستغلالها وضبط تنظيمها. وقدم هذا الاخير استقالته بعد أن طالب بفتح ملف الفساد حول هذا المشروع. المسألة بيد القضاء وحسب مصدر من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث أكد أن الوزارة سلمت المشروع الى اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد. مضيفا أنّ المسألة الآن أصبحت بيد القضاء لأنه اتّضح أن المشروع يحذوه فساد مالي كبير وشبهات وعشرات المليارات تبخرت دون أن تكتمل المدينة. هذا ما أكدته بعض المصادر المطّلعة على ملفات مدينة الثقافة التي انتظرها المثقفون ولازالوا، لكن بقيت الى حدّ اليوم هيكلا دون روح. تصاميم عالقة وحسب التصميم الأولي لهذا المشروع فإنه يحتوي على أوبرا بها 180 مقعدا وأوديتوريوم به 700 مقعد ومسرح تجريبي يحتوي على 400 مقعد و7 أستوديوهات لانتاج الموسيقى والمسرح والرقص بالاضافة الى ميديا تاك وسينماتاك وقاعات عرض وأخرى لحفظ الابداعات الفنية ومحلات تجارية وبرج ارتفاعه 60 مترا ومتحف حضارات. كل هذه التصميمات مازالت لم تستو بعد بفصليها الاسمنت والحديد والحضائر تغلب عليها حمرة الآجر يغطيها الغبار من كل جهة في انتظار فتح ملفاتها بجدّية ومقاضاة من كان وراء تعطيل سير أعمالها والاستحواذ على أموالها. ضبابية في العهد السابق وكنا قد فتحنا تحقيقا حول تأخر أشغال مدينة الثقافة في العهد السابق واتصلنا بالوزارتين المشرفتين على هذا المشروع ولم نتحصل في ذاك الوقت على أية معلومات تكشف على هذا الفساد المالي الذي تغرق فيه المدينة بل كانت كل المصادر تؤكد أن الأمور تسير على أحسن ما يُرام وأن الاشكال يبقى في الميزانية التي رصدت لهذا المشروع والتي لم تكن كافية في حين أن المليارات قد سخرت لكنها تبخرت دون أن تُنفق على المشروع. هذا الملف الذي أصبح الآن في يد القضاء قد يطول البت فيه خاصة وأن البعض يرى أن هذا المشروع الثقافي بامكانه الانتظار باعتبار أن هناك ملفات أخرى أهم، لكن من يهمهم الأمر من مثقفين ومبدعين يرون عكس ذلك. وهم يطالبون بتعجيل هذه القضية من أجل استكمال المشروع، فالثورة حسب رأيهم تنطلق من الثقافة أو لا تكون.