اليوم تمر سبع وثلاثون سنة على رحيل شادية العرب الاولى أم كلثوم... الصوت العربي الطربي الأصيل، الذي كتب على امتداد أكثر من خمسين سنة ملحمة الخلود للابداع العربي في أجلّ وأبهى وأرقى مظاهره. سيدة عربية نحتت نجاحها بأظافرها... اختطت لنفسها نهجا فنيا متفرّدا... ... سيدة تسلّحت بذائقة ابداعية راقية صقلها دأبها ومواظبتها على تثقيف نفسها، وبيئة اجتماعية محافظة آمنت بقيمها ومبادئها فمنعتها من تقديم ما يسيء الى الرفعة في الذوق وما يخدش الحياء العام... فجاءت أغانيها قصة حبّ ورحلة ممتعة في معاني الجمال في الوجود. ... كل أغنية من أغاني أم كلثوم حكاية... وفي كل آهة قصة... وفي كل موال موقف... المستمع اليوم لأغاني أم كلثوم يعيش لحظات لا تنسى مع الرومانسية والأحلام والحب الكبير... ... في صوت أم كلثوم استثناء... كبرياء... شموخ... في أغانيها ذكريات مع ماض جميل... علي امتداد مسيرتها وحتى بعد مرور سبع وثلاثين سنة على رحيلها مازالت وستبقى النموذج الفني المرموق... حيث لم تبرز على الساحة الفنية العربية كما أكّدت على ذلك الدكتورة رتيبة الحفني في كتاب لها عن شادية العرب الاولى «من تضاهي الامكانيات الهائلة التي كانت تتمتع بها سيدة الغناء العربي أم كلثوم». ... لم تكن عبقرية أم كلثوم تتمثّل في موهبتها فقط... بل تجاوزت ذلك الى عناصر أخرى كانت وراءها لتقف بشموخ في مقدّمة القائمة الغنائية العربية على مرّ الاجيال لمطربات عربيات أخريات.... .. على امتداد مسيرتها ثابرت واجتهدت أم كلثوم لتكسب عن جدارة عرش القمة في الطرب العربي... سلاحها في ذلك أغنية عربية تكتب الاستمرارية وتسمع بشغف وحب كبيرين في أي مكان وأي زمان. ... أم كلثوم التي يحيي الوطن العربي الذكرى السابعة والثلاثين لرحيلها... ستبقى على مرّ العصور العبقرية الغناذية التي لن تتكرّر... ... على امتداد رحلتها كانت أم كلثوم مهتمة بوطنها المصري والعربي من خلال ما قدمته من أناشيد وطنية... أناشيد كان لها الأثر البالغ في مدّ المشاعر الوطنية المتدفقة بالذخيرة الروحية الوجدانية... أغنيات كتبت للتاريخ ملاحم بطولية في كامل أرجاء الوطن العربي بصفة عامة انطلاقا من مصر ومن خلال ذلك أعطت درسا ابداعيا خالدا سيبقى راسخا على مدى العصور أن الوطنية هي الطريق والمعبر السليم على درب العالمية... من هذا المفهوم فقد أبرزت أم كلثوم من خلال رحلتها مع الأغنية أنه لا مجال لبلوغ العالمية ما لم يكن ذلك بالمرور عبر المحلية بابداع يغوص في الوجدان الشعبي معبّرا عن آلام وآمال الروح الانسانية في الانسان. هذه هي أم كلثوم... العبقرية الغنائية التي لن تتكرّر.