تتجه النية نحو تكوين هيئة قضائية تسمى «هيئة قضايا الدولة» لتحل محل مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة» في تمثيل الدولة امام المحاكم، وقد تم في هذا الصدد اعداد مشروع نصين قانونيين في الغرض. مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة المُحدثة منذ سنة 1962 مكلفة بتمثيل الدولة امام سائر المحاكم العدلية والمحكمة الادارية في مختلف القضايا التي ترفعها الدولة او التي تُرفع ضدها من المواطنين او من المؤسسات ..ويلعب هذا الجهاز دور محامي الدولة بمختلف وزاراتها ومؤسساتها العمومية ويتولى دراسة ومتابعة ملفات القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها و الترافع فيها امام المحاكم واعداد الطلبات وضمان مختلف اجراءات التقاضي مثل رفع الدعاوى والاستئناف والتعقيب وتنفيذ الاحكام وغيرها. ويتكون هذا الجهاز من شخص المكلف العام بنزاعات الدولة ومن عدد من المستشارين المقررين وهم الذين يقومون بصفة فعلية بالمهام المذكورة. وهذا الجهاز ملحق منذ سنة 1990 بوزارة املاك الدولة والشؤون العقارية . دواعي في لقاء مع «الشروق» قال السيد محمد مُجاهد الفريضي، مستشار مقرر رئيس بادارة نزاعات الدولة وكاتب عام نقابة المستشارين المقررين، إن الوقت قد حان للتخلص من الآلية الحالية لتمثيل الدولة امام المحاكم (المكلف العام بنزاعات الدولة) وتعويضها بما يسمى ب«هيئة قضايا الدولة»، على غرار ما هو موجود بليبيا والاردن ومصر والامارات العربية ولبنان والولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا واليونان والبرتغال وقبرص وأكد الفريضي أن جهاز المكلف العام بنزاعات الدولة على صيغته وآليات عمله الحالية ما زال يكرس توظيف الادارة لخدمة الفساد و لنشر المحاباة ولسطو الطبقة الحاكمة على الافراد ولاستحواذها على املاك الدولة، وهي الغاية التي بُعث من أجلها مطلع الستينات وتدعمت بعد 1987 نحو خدمة المآرب الشخصية لرئيس الدولة ولعائلته وللمقربين منهم . تعسف الدولة من جهة أخرى قال محدثنا انه بالرغم من أن المهمة الحقيقية والاصلية لجهاز المكلف العام بنزاعات الدولة هي الدفاع عن مصالح الدولة، وهو أمر طبيعي يدخل في اطار المحافظة على الممتلكات العامة وعلى المال العمومي. الا أن هذه المهمة تتحول أحيانا الى تعسف على خصوم الادارة من مواطنين ومؤسسات. من ذلك مثلا انه في بعض القضايا يكون واضحا منذ الطور الابتدائي ان الادارة على خطإ وإن الضد (مواطن أو مؤسسة) يكون صاحب حق بيّن وواضح. لكن رغم ذلك فإن المكلف العام بنزاعات الدولة يكون مجبرا بالقانون على استئناف القضية أو على تعقيبها بصفة آلية دون ان يكون هناك اي مبرر. وهذه الآلية تمكن الادارة من المماطلة في تنفيذ أحكام وقرارات المحاكم وبالتالي في تأخير تمكين الضد من حقوقه، ويكون الضد أكبر متضرر عندما يتحصل على الحق الذي تحكم له به المحكمة بعد سنوات عديدة دون موجب .وفي مثل هذه القضايا، من المفروض ان «تنسحب» الدولة من القضية اذا ما لاحظت انها على خطإ حتى تساهم في تحقيق العدل والعدالة في المجتمع ولا تكون هي سببا من اسباب انتشار الظلم . استقلالية قرار تخلي الدولة عن القضايا التي يكون واضحا منذ البداية انها لا تملك فيها اي حق من المفروض ان يتخذه المكلف العام بنزاعات الدولة لدى تعهده بالملف منذ البداية وذلك تفاديا لاضاعة الوقت دون موجب وتجنبا لتحميل الدولة مصاريف عديدة بلا مبرّر (مصاريف الاستئناف والتعقيب)، وأيضا تفاديا لهضم حقوق خصوم الادارة (احيانا مواطنين بسطاء تستحوذ الادارة على ممتلكاتهم او على حقوقهم بلا وجه حق) وتحقيقا للعدل وللعدالة في الدولة وحتى لا تتشوه صورة المكلف العام لدى الناس واعتباره هو من يقف وراء هضم الحقوق. لكن حسب السيد مجاهد الفريضي فإن المكلف العام بنزاعات الدولة لا يمكنه اتخاذ مثل هذا القرار لان القانون كما سبق الذكر يفرض عليه الاستئناف والتعقيب آليا، وبالتالي فهو لا يتمتع باستقلالية اتخاذ القرار المناسب الذي يخدم مصلحة الدولة ومصلحة المواطن أو المؤسسة معا. وكل هذا رغم ان مستشاري الجهاز لهم القدرة شأنهم شأن القضاة على التكييف القانوني للقضايا حال مباشرتهم لها واعتبارها منذ البداية قضايا في طريقها الصحيح لفائدة الدولة أم لا وذلك بحكم دراستهم بالمعهد الاعلى للقضاء الى جانب القضاة وتخرجهم برتبة قاض . هيئة قضايا الدولة منذ سنة 2000، يطالب جهاز المكلف العام بنزاعات الدولة بتمكينه من هذه الاستقلالية وببعث هيكل يسمى «هيئة قضايا الدولة» لتحل محل المكلف العام بنزاعات الدولة في تمثيل الدولة امام المحاكم وابعاده عن اشراف وزارة املاك الدولة والشؤون العقارية (لانه يمثل كل الدولة)، على غرار ما هو معمول به في عدة دول. وقد أصدر مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية توصيات في الغرض سنة 2002 واستجابت لها الاردن والامارات العربية بعد مصر وليبيا ولبنان، لكن استجابة تونس لم تحصل الى الآن بسبب الرغبة في ترك هذا الجهاز تحت إمرة الدولة يخدم مصالح هذا الطرف وذاك .ففي هذه الفترة التي تلت الثورة، من المفروض ان يتطور فيها عمل كل الأجهزة الحكومية نحو القضاء على الفساد و تحقيق العدالة الانتقالية واسترجاع اموال الدولة المنهوبة وتمكين الاطراف الاخرى من حقوقها التي اغتصبتها منها الدولة . مشروع قانون أعد العاملون في جهاز المكلف العام بنزاعات الدولة مشروع قانون أساسي يتعلق بإحداث هيئة قضايا الدولة وبتركيبتها وبمهامها وتكون ملحقة بالوزارة الاولى، ومشروع قانون أساسي آخر يتعلق بالنظام الأساسي لأعضاء هيئة قضايا الدولة من حيث الانتداب والتسمية والواجبات والحقوق والتأديب. وقد أحيل هذا القانون على سلطة الاشراف ويأمل العاملون بالجهاز في أن يلقى الاستجابة اللازمة ويقع بعث هذه الهيئة ليتم القطع مع الوضع الحالي الذي لا يخدم المصلحة العامة في شيء .