عام مرّ على الثورة، ماذا تغيّر في واجهات المكتبات؟ وما هي أبرز العناوين الصادرة خلال هذا العام؟ وكيف تفاعل أصحابها مع الواقع الجديد الذي أفزرته الثورة؟ وما هو الجنس الأدبي الذي بات رائجا بين الكتاب؟.. أسئلة نطرحها في هذا الملف في محاولة لرصد وتقييم حركة الابداع الأدبي في تونس في غضون عام بعد الثورة. مباشرة بعد الثورة، وبمجرد أن استأنفت المكتبات نشاطها مع هدوء الوضع بالبلاد، كانت المفاجأة الأولى، في اختفاء العديد من العناوين التي كانت تملأ الواجهات ملمّعة صورة النظام السابق، أو هي عبارة عن عناوين شعرية حالمة، لتحل مكانها عناوين أجنبية ومحلية صادرة بالخارج تكشف دكتاتورية النظام ومعالمه. كما ظهرت العديد من الكتب الدينية التي كانت بدورها محظورة. انقلاب في واجهات المكتبات ولأول مرة يزدحم المارة من المواطنين أمام واجهات المكتبات بكثافة غير معهودة في محاولة لاكتشاف هذا التغيير أو الانقلاب المفاجئ في معروضات المكتبات التي ظلت مغلقة لوقت طويل أمام كل إصدار ينتقد النظام أو حتى يتحدث عن بعض مساوئه الاجتماعية والاقتصادية، سواء في كتب الدراسات والأبحاث أو حتى يتحدث عن بعض مساوئه الاجتماعية والاقتصادية، سواء في كتب الدراسات والأبحاث أو حتى في الشعر والرواية، كما حرصت بعض المكتبات للفت انتباه المارة، على إقامة لافتات ومعلقات اشهارية في مداخل المكتبات تبرز العناوين الجديدة وخصوصا المثيرة والتي كانت محظورة خلال فترة النظام السابق. وقد حفز هذا المشهد الجديد، عديد الكتاب بمختلف مستوياتهم الثقافية والابداعية، على الكتابة الى درجة أنه بعد شهرين فقط من الثورة فاق عدد المعروضات من الكتب المحلية، في واجهات المكتبات عدد الكتب الأجنبية، إذ صدرت عشرات العناوين أذهلت حتى الكتاب والنقاد أنفسهم. وعقبت هذه الاصدارات، أخرى كبيرة لم تفاجئ المتابع التونسي فحسب، وإنما المتابعين في الوطن العربي، ومصر بالخصوص التي احتفت بالكتاب التونسي في معرضها بالقاهرة (22 جانفي 07 فيفري 2012). إصدارات الثورة ومن أبرز الكتب التي صدرت عقب الثورة «سقوط الطاغية» للمؤلف محمد المثلوثي، و«بن علي الفاسق» للمؤلف بشير التركيي، و«ثورة الشعب التونسي» للمؤلفة هيام التركي، و«الثورة على لسان جبان» للمؤلفة ضحى كثيري، و«كسوة تونسية.. جبّة الثورة» للمؤلف مختار بن جنات، و«دولة ما بعد الثورة» للمولف أيمن البوغانمي، و«رواية الثورة التونسية» للباحث نزار شقرون و«المسار الانتخابي في الانتقال الديمقراطي بتونس» للمؤلف عبد الواحد المكني، و«أخلاط في البيهموقراطية والثورة» للمؤلف كمال الزغباني، و«برج الرومي» للكاتب سمير ساسي، و«امرأة في زمن الثورة» للمؤلفة فاطمة بن محمود، و«ديوان الثورة» عن اتحاد الكتاب التونسيين، و«ثورات الفوضى الخلافة سلال فاراغة» للمؤلف هادي دانيال، و«رحلة في زمن بورقيبة» للمؤلف حسونة المصباحي وآخر للكاتب صافي السعيد وهو مراجعة للنسخة الأولى من الكتاب. انعتاق ويجمع بين كل هذه العناوين تقريبا استلهامها من الثورة كحدث تاريخي وكواقع جديد لحرية التعبير التي ظلّت مسلوبة طيلة عقود لم يكن بإمكان المبدعين خلالها التعبير عن آرائهم وأفكارهم. وبمجرد توفر حرية التعبير، انعتقت الأقلام وتفتحت القرائح، فأنتجت عددا قياسيا من الاصدارات ربما لم تعرفه الساحة الأدبية في تاريخها، وخصوصا على مستوى الانتاج الأدبي السنوي. كما شهدت الساحة، مولد كتاب جدد، يصدرون كتبهم لأول مرة. تراجع الشعر وبقدر ما كان الانتاج كثيفا وربما قياسيا، وخصوصا في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة نظرا لما يتطلبه النشر من امكانيات مادية ومالية، لم تكن الاصدارات متنوعة من حيث الجنس الأدبي وحتى القضايا المطروحة، إذ غلب السياسي على كل العناوين الصادرة، ولما يعود ذلك الى الحظر الذي كان مسلطا على الكتاب، في تناول القضايا السياسية والفساد، كما غلب الجانب التوثيقي للوثرة، وجمع الشهادات على جل الاصدارات كذلك. وحتى السيرة الذاتية في الجنس الروائي كانت مقتصرة على السياسي في حياة المؤلفين، رغم ظهور ما يعرف بأدب السجون لأول مرة في تونس كما في رواية «برج الرومي» لسمير ساسي. ولأول مرة يتراجع الشعر وحتى الرواية على مختلف الأجناس الأدبية الأخرى، حتى أن بعض الشعراء فضّلوا نشر جديدهم في الصحف بدل إصداره في دواوين مكتوبة، وحتى المكتبات فقد باتت بدورها، تفضل الاصدارات ذات المواضيع السياسية، والتوثيق للثورة وللشخصيات السياسية على الأجناس الأدبية الأخرى وخصوصا في معروضاتها في الواجهات. عودة الأدب المتلزم ولعل أبرز ما ميّز جل العناوين الصادرة في غضون هذا العام، هو عودة ما يعرف بالأدب الملتزم وأدب السجون اللذين ظلاّ غائبين طيلة عقود طويلة، كما أفرزت الثورة طائفة من الكتاب والناشرين قفزوا على الحدث لإصدار كتب لم تكن في الحقيقة في مستوى الابداع الأدبي، وكانت أقرب الى المقالات والحوارات الصحفية منها الى الابداع الأدبي، وذلك نتيجة استسهالهم للكتابة الأدبية. كما عمد بعضهم الى استغلال الحرية التي وفرتها الثورة لإصدار كتب فيها زيف وتزييف للحقائق، وأحيانا فيها حتى تهجم على الناس. كما عمد بعض آخر الى اختلاق أحداث ووقائع وهمية في كتبهم بهدف صناعة تاريخ سياسي ونضالي جديد لأنفسهم.. وتلك ضريبة الحرية!