عبر التيار القومي كغيره من التيارات السياسية عن وجوده من خلال بروز أحزاب قومية تبنت الوحدوية، منها "حركة الشعب الوحدوية التقدمية"، و"حركة الوحدويين الأحرار"، غير أن هذا التيار لم يكن مردوده على نفس وتيرة مردود التعبيرات الأخرى الإسلامية واليسارية حسب رأي عدد من الملاحظين، رغم أن جذور القوميين تعتبر من أعرق التعبيرات السياسية في البلاد. وتسلّطت على القوميين كغيرها من التيارات صنوف من الإقصاء والملاحقة، من طرف نظامي بورقيبة وبن علي، ابتداء من الحركة اليوسفية التي يذهب القوميون إلى أنهم امتداد لها..ولكن وبعد ثورة 14 جانفي، ذهب البعض إلى أن الشعارات التي رفعها التونسيون لم تكن شعارات قومية بقدر ما كانت شعارات تبغي الحرية والعدالة في التنمية اضافة الى الكرامة...وهو ما يطرح التساؤل حول مدى تأثير شعارات القوميين اليوم؟ وإمكانياتهم السياسية في الساحة؟ الحاضر الغائب طرح التيار القومي على نفسه في الآونة الأخيرة نقاشات موسعة بين مختلف أطرافه، دعت كل من موقعها إلى العمل على انجاز مهام الوحدة التنظيمية من أجل القطع مع حالة التشتت التي عاشتها التجربة الوحدوية الناصرية في تونس، غير أن المحاولات ورغم أنها أتت أكلها حسب عدد من المتابعين بتوحد حركة الشعب والوحدويين التقدميين، في هيكل حزبي واحد، غير أن عددا آخر من القوميين فرادى ومجموعات بقي خارج إطار هذا المسار التوحيدي. وهو ما قد يؤثر حسب رأي هؤلاء على آداء الوحدويين على الساحة خاصة أن البلاد، تنتظرها استحقاقات مفصلية مؤثرة في مستقبلها. ويذهب هنا خالد الكريشي الناطق الرسمي باسم حركة الشعب الوحدوية التقدمية، إلى أن واقع هذا التشتت لا يتجاوز كونه تنظيميا فقط وقد سببته عوامل تاريخية وموضوعية. وخلافا للإسلاميين المتمثلين في حركة النهضة التي تتحرك بسرعة في الساحة السياسية، وتعيد هيكلة نفسها بنفس الوتيرة..حسب عدد من الملاحظين، وخلافا لليسار الذي اصطف في جبهة 14 جانفي، ومزج أغلب الوطنيين الديمقراطيين في جسم سياسي واحد، فان القوميين ورغم انخراطهم في البداية في جبهة 14 جانفي، انسحبوا باكرا ويبدو أنهم تفرغوا لتنظيم «البيت الداخلي» حسب تعبير الكريشي، من ناحية أخرى اعتبر المولدي الراجحي النقابي القومي أن الفصائل القومية تعمل على تكوين «جبهة قومية تقدمية تكون بديلا سياسيا مؤثرا يعبر عن انتظارات ومطالب الجماهير العربية في تونس». وقد كانت أغلب نشاطات القوميين، عقدا لتظاهرات شعرية وفكرية لا غير، رفعوا من خلالها شعارات الوحدة العربية ونبذ القطرية ومعاداة الصهيونية. كما شددت حركة الشعب الوحدوية على أن يضاف في الميثاق الجمهوري الذي تعمل الهيئة العليا من أجل تحقيق أهداف الثورة على انجازه، البعد القومي والمناهض للصهيونية والاستعمار في نضال الأحزاب... «فولكلور» يذهب عدد من المتابعين للشّأن السياسي إلى توصيف القوميين بال»فلكلور» السياسي بما يعنيه ذلك أنه تيار تجاوزته الأحداث وأن شعاراته لا يمكن أن يحتملها الواقع. إذ «أن واقع القطرية أصبح حقيقة وواقعا ملموسا لا يمكن تجاوزه إلا في أحلام القوميين النضالية». ويعتبر خالد الكريشي من ناحيته أن القوميين من «أكثر العائلات السياسية تواجدا عدديا في الساحة، ومن أعرقها تاريخيا»، وأن القوميين «ناضلوا من مواقع مختلفة من أجل الإطاحة بالنظام الدكتاتوري والعمل على انجاز التحول الديمقراطي في القطر». من ناحية أخرى يجتمع أغلب الليبراليين والماركسيين على أن هذا التيار «شوفيني» أي أنه متعصب للعروبة بطريقة شديدة، ويعتبر هؤلاء أن هتلر مثلا هو المثال «الأنقى» للقومية، فقد كان نظامه قوميا صرفا، يعتبر العنصر الألماني «الآري» هو الأرقى والأفضل مقارنة ببقية الأجناس والأعراق. وأكدت مختلف التجارب القومية التي عاشتها البلاد العربية أن الأنظمة القومية قامت على الدكتاتورية، إذ تعرض الماركسيون كما الاسلاميون متمثلين في حركة الإخوان المسلمين في مصر إلى هجمة وملاحقات وتقتيل في عهد جمال عبد الناصر. ورغم النقد الذي طال هذا التيار، فان عددا من المتابعين يعتبرونه من التيارات الرئيسية المعادية للاستعمار والصهيونية، والمنادية بالوحدة العربية، ويؤكدون أن هذا التيار موجود بقوة بل من أعرق التيارات السياسية التي نشأت في البلاد. ...المشروع قائم ارتفع صوت القوميين، وخاصة حركة الشعب الوحدوية التقدمية، لتعبر عن رفضها المطلق ل»عودة البورقيبيين»، كما أكد المنضوون ضمن التيار القومي عن تمسكهم بمشروع مناهضة الفكر الواحد الذي طغى في عهد بورقيبة، ورغم بطء عمل القوميين في الساحة السياسية فان مشروع الوحدوي مازال يتبنى عدد من الجماهير شعاراته كما يرى ذلك البعض. ويذهب المتابعون إلى أن هذا التيار متمثل في الهياكل النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل، والحركة الطلابية، وقطاعات أخرى كالمحامين..ويؤكد آخرون أن هذا التيار يتبناه الكثير من الناشطين السياسيين والنقابيين والحقوقيين غير أنه والى حدود هذه الأسابيع الأخيرة كان الحاضر الغائب في الساحة السياسية خلافا لبقية التيارات والمرجعيات الفكرية. ويعتبر عدد من الدارسين وعدد من الملاحظين، أن التيار القومي لم يطرح على نفسه لعقود مسألة التنظم الحزبي بجدية، إذ كان يعتبر أن ذلك يندرج ضمن الاعتراف بشرعية الأنظمة الإقليمية القطرية حسب المرجعية الفكرية والسياسية لهذا التيار، واكتفى بالتعبير عن نفسه كحركة ثقافية، نقابية لا غير. من ناحية أخرى أكد الكريشي أن التيار القومي عموما لا يدعي أنه سيعمل على استنساخ التجربة الناصرية(نسبة إلى تجربة جمال عبد الناصر في مصر)، مؤكدا أنه يتنظم اليوم في حزب مدني سياسي. ولا يخفي عدد من المتابعين خوفهم من أن يكون للقوميين وزن كبير في السلطة السياسية التي ينتظر منها التونسيون الكثير، وخاصة أن ثورتهم طرحت شعارات عدة ومنها ضمان الحريات الفردية والعامة، فالتجارب التاريخية التي شهدت صعود تيارات قومية للحكم شددت التضييق على هذه الحريات بل صادرتها.