تحوّل نوعي عرفته الإستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الإسلاميين والحرب الأهلية احتمال ممكن في دول الربيع العربي..أبرز ما أوضحه الدكتور منصف ونّاس في هذا الحديث مع «الشروق». قدّم الدكتور منصف ونّاس أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية في إطار معرض القاهرة الدولي محاضرة حول التداخل والتقاطع بين الثورتين التونسية والمصرية لفتت انتباه المتابعين لفعاليات المعرض . (الشروق) التقته في هذا الحوار بعد المحاضرة: عام من التحوّلات العربية ظهرت معه مجموعة من الأسئلة حول خفايا ما حدث الى حدّ أن هناك من يرى أن هذه التحوّلات لم تكن بعيدة عن التدخّل الأجنبي . كباحث ومهتمّ بالتحوّل الأجتماعي والسياسي كيف تفهم هذه التحولات ؟ لا يوجد كما تعلم ذلك جيّدا حدث سياسي بمثل أهمية الثورات والأنتفاضات العربية بمعزل عن المحيط الأقليمي الدولي هناك بالتأكيد حالات من التداخل المبرمج والمقصود بين الأحداث والظروف وبين المعطيات الدولية. ولكن فيما يتعلّق بتونس ومصر أنا أعتبر أن الثورتين انطلقتا في البداية بشكل عفوي وجاءتا تعبيرا عن حالة من الغضب ومن النقمة ومن الأحباط والشعور بانسداد الأفاق ثمّ تسيستا فيما بعد . فيما بعد أصبحتا خاضعتين لمعطيات دولية ومن الواضح اليوم أنّ الولاياتالمتحدة وقطر وفرنسا هي أطراف متفاعلة مع الأنتفاضات والثورات العربية ولديها قراءة فيما يحصل ولديها مواقف في التطورات الراهنة، رأينا ذلك في ليبيا حيث كان التّدخّل الدولي ممثّلا في فرنسا وقطر والولاياتالمتحدةالأمريكية كان واضحا منذ البداية ولهذا بقدر ما تعبّر هذه الثورات والأنتفاضات عن انتظارات شعبية اجتماعية في تطوير الوضع الأقتصادي والاجتماعي في التّصدّي للفساد والأستبداد في تحقيق العدالة الأجتماعية والتحوّل الديمقراطي بقدر أيضا ما تعبّر عن وجود تأثيرات خارجية لم يعد اليوم بالإمكان انجاز أي تحوّل أو إيجاد أي صيغة للتغيير بمعزل عن الأوضاع الدولية . كيف ترى وصول الإسلاميين إلى الحكم هل بدأت مرحلة الحكومات والأنظمة الاسلامية ؟ يجب أن نشير الى معطيين متكاملين يتمثّل المعطى الأوّل في وجود خيبة أمل عميقة لدى المجتمعات العربية من النظم التي تعاقبت في مرحلة ما بعد الاستقلالات وشعور عميق بالاحباط وبالضيم الأقتصادي وبالقهر السياسي وعدم تحقيق حتّى الحد الأدنى المطلوب من العدالة الأجتماعية ويتمثّل المعطى الثاني في وجود أستراتيجية دولية تسعى الى تشريك القوى الأسلامية والتيارات الدينية في نظم الحكم. فقد قدمت نصيحة الى الإدارة الأمريكية مفادها أنّه بدل إقصاء الإسلاميين واستبعاد التيارات الدينية ودفعها الى الأنتقام من أوروبا ومن الغرب عامة وخاصة أمريكا تمّ نصح الإدارة الأمريكية بالعمل على تشريك الإسلاميين وعلى استنزاف قواهم في تجارب سياسية ليست في كل الحالات مضمونة النتائج . وهذا يعكس تغيّرا نوعيا في الأستراتيجيا الأمريكية إزاء نظم الحكم الموالية لها سابقا وأزاء الحركات الدينية لم تعد الإدارة الأمريكية الراهنة مع أوباما بنفس العداء ونفس الأستبعاد مثلما كان الشأن في الإدارات الأمريكية السابقة خاصة مع بوش الأب .هناك تغيّر نوعي لا يرى مانعا في تشريك الإسلاميين في محاورتهم وفي تشجيعهم على التورّط في نظم الحكم وفي التجارب السياسية . ألا ترى أن هذا التمشّي يستهدف إخراجهم من دائرة «الطّهر السياسي»؟ بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية لا يتعلّق الأمر فيما بعد بقضية طهر سياسي وإنّما باستنزاف يقضي بتوريطهم في الحكم وتشريكهم في الشأن العام ولكن دون أن تتوفّر لهم شروط النجاح مثلما نرى الأن فإن صعوبات متراكمة في كل من تونس ومصر . الأستنزاف التكتيكي هو أستراتيجية جديدة نصح بها بعض الحكّام العرب الإدارة الأمريكية وتبنّتها هذه الأخيرة واقتنعت بها فيما يبدو وهي حريصة للذهاب بها الى أبعد مدى ممكن. كيف ترى مستقبل حكومة النهضة وحليفيها؟ أنا سبق وأن صرّحت للصحافة التونسية برأيي في هذا الموضوع، أرى المرحلة الراهنة في تونس مرحلة بغاية الصعوبة وبغاية العسر وتواجه هذه المرحلة مشاكل عويصة وعديدة خاصة من الناحية الأقتصادية والأجتماعية من حيث القدرة على مجابهتها. فلا تواجه النهضة فقط مشاكل سياسية واجتماعية مع السّلفية المتشدّدة وإنّما أيضا مشاكل أقتصادية واجتماعية ولا ندري الى حدّ اليوم ماهي قدرتها على توفير الشّغل للشباب؟ وهناك حوالي 800 ألف شاب عاطل عن العمل ولا نعرف بالضبط قدرتها على التأثير في الأستثمار للنهوض بالاقتصاد ولا نعرف قدرتها في الحصول على التمويل والدعم الخارجيين يبدو أنّها قد تلقّت وعودا سخيّة لكنّها لم تنفّذ الى حد الأن وهذا مشكل عويص لا أعرف كيف ستجد النهضة وحليفاها حلولا له؟ . أنت مطلّع جيّدا على تفاصيل المشهد السياسي والأجتماعي في ليبيا، الى أين يمضي المسار السياسي في ليبيا بعد أشهر من سقوط نظام القذافي؟ الوضع في ليبيا صعب جدا ومعقّد لاعتبارات ثلاثة رئيسية أولا لا يبدو أن المجلس الوطني الانتقالي يسيطر على الأرض فعليا ومن الواضح أن السلطة الفعلية بيد الثوّار الذين يمسكون بمفاصل الحياة السياسية والأجتماعية والمسألة الثانية أنّه لم يتم الى حد هذه اللحظة الإفراج عن الأرصدة الليبية الموجودة في البنوك الأوروبية والأمريكية وهي أرصدة تفوق 168 مليار دولار كما صرّح بذلك محافظ البنك المركزي الليبي السّابق والمعطى الثالث أنّه مازالت هناك توترّات كبيرة بين الجهات وبين القبائل ولابد أن نشير إلى أن قبائل مصراتة في صراع دموي مع جيرانها في منطقة تاورغاء وقد قامت بطردهم من هذه المنطقة وإجلائهم الى منطقة طرابلس وترفض مصراطة عودتهم الى مناطقهم الأصلية علما أن عدد سكّان تاورغاء يفوق 30 ألف كما أن هناك مواجهات شديدة بين سكّان غريان ومناطق أخرى وبين قبيلة ورفلة التي تعدّ حوالي مليون و100 ألف وهذا يعقّد الوضع في ليبيا. هناك أيضا صراعات داخل المنطقة الشرقية وهناك شعور أن الوضع صعب جدا في ليبيا . لا يجب أن ننسى أن هناك 700 ألف موظّف دون مرتّبات الى حد الأن ،400 الف كانوا ينتمون الى الأجهزة الأمنية المختلفة والى الجيش النظامي والى الآن دون مرتبات كما لا يجب أن نغفل أن جزءا كبيرا من الثوّار الذين يعدّون 60 ألف عنصر ليست لهم الى حد الآن مرتّبات ولا ضمانات مالية واجتماعية إضافة الى أن أكثر من 50 ألفا سقطوا على الميدان مازالت عائلاتهم تنتظر التعويض . الوضع في ليبيا لا يقلّ صعوبة عن تونس وعن مصر فكيف سيواجه المجلس الانتقالي كل هذه المشاكل في غياب الاستقرار وغياب الأمن وانتشار أكثر من 35 مليون قطعة سلاح في ليبيا وعدم توفّر سيولة مالية؟ البنوك الليبية لا تملك السيولة المالية لتوفير احتياجات الموظفين والمواطنين والمدخرين . إذن بعد عام حصلت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا على الحرية لكنّها مازالت تعاني من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية بل ازدادت تعقدّا كيف يمكن أن نخرج من هذه الحالة ؟ اليوم نحن بحاجة إلى مراجعة جذرية لما حصل إلى حد الآن والى أرضية وفاقية بين كل مكوّنات المجتمع في تونس ومصر وليبيا وحوار عميق من أجل الوصول إلى أرضية تفاهم تغلّب المصلحة العليا لهذه البلدان الثلاثة وتعمل على تدارك ما فات وتعمل على إيجاد حلول عملية لهذه الصعوبات أو سننزلق لا سمح الله إلى الفاشية والى الاحتقان وهو ما سيؤدي إلى حرب أهلية فاحتمال الحرب الأهلية قائم في البلدان الثلاثة وأرجو أن لا نصل الى هذا.