بدأت تظهر في الصفحات التونسية يوم أمس بوادر انفراج الوضع في الشمال الغربي بعد أن تظافرت جهود مختلف الأجهزة الحكومية والجيش لفك عزلة القرى والمدن وإيصال المؤن، لكن نداءات الاستغاثة استمرت في الموقع الاجتماعي لمساعدة السكان. تناقل عدة ناشطين في الموقع أخبارا كثيرة عن عمليات النجدة ونقل المؤونة بالطائرات في بعض الأحيان، وعن توزيع كميات كبيرة من غاز الطبخ وتحرك اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث الطبيعية التي أنشأت لها فروعا في الجهات، مع ممثلين عن عدة وزارات معنية بالوضع. ويبقى الجيش الوطني كعادته، فخرا للبلاد بما يبذله من جهود استثنائية في الجهات المعزولة لرفع الثلوج ومساعدة أصحاب السيارات العالقة في عدة مدن حيث تجاوز علو الثلج 70 سم. نشرت صور كثيرة التقطها مواطنون لجنودنا يطوفون قرى ولاية جندوبة لمساعدة السكان حيث حظي الجيش مرة أخرى بأجمل تعاليق الحب والتقدير. كما نشر ناشطون عدة حقائق جديدة عن حجم الخسائر التي سببها الثلج في الشمال الغربي، مثل إغلاق أكثر من 350 مؤسسة تربوية وإغلاق العديد من الطرقات وتعطل الاقتصاد والخدمات، فيما تم تبادل خبر ينفي وفاة طفلة ذات عشرة أعوام بسبب البرد. بالتوازي مع ذلك، تحرك المجتمع المدني في الموقع الاجتماعي، وتم نشر معلومات دقيقة عن عمليات جمع المساعدات وخصوصا الأغذية، حيث تولت العديد من المؤسسات الخاصة التبرع بكميات هامة من الأغذية وضعتها على ذمة الجمعيات الخيرية التي تحركت بكثافة، رغم تشكي ناشطيها على الموقع من صعوبة الوصول إلى القرى المنعزلة. وبصفة عامة، كشفت هذه الظروف عن المشاعر الإنسانية والوطنية العميقة للتونسيين، وتعاطفهم مع المتضررين، حيث طلب المئات من المنخرطين في الموقع معلومات عن طرق التبرع وعن أماكن تسليم التبرعات. كما تم نشر العديد من نداءات الاستغاثة من سكان معتمدية عين دراهم خصوصا حيث ما تزال المئات من السيارات عالقة هناك عاجزة عن مغادرة المنطقة بسبب ارتفاع الثلوج. ولئن اتفق التونسيون تقريبا في تضامنهم مع غرب البلاد، فإنهم سريعا ما يعودون إلى عراكهم التاريخي عندما يتعلق الأمر بقرار طرد السفير السوري غير الموجود في تونس أصلا، حيث ما يزال الكثير من نشطاء اليسار والمعارضة وحتى المحايدين يشنون الهجمة تلو الأخرى على رئيس الدولة والحكومة التي لا يسكت أنصارها طبعا ويردون بقوة. كتبت ناشطة من المؤتمر ساخرة من نص كتبه ناشط حقوقي يساري ينتقد فيه قرار الرئيس: «يلومون المرزوقي لأنه طرد السفير السوري، ربما كانوا يريدون منه أن يقف نفس وقفة أليوت ماري وزيرة خارجية فرنسا أيام ثورة تونس ويعرض مساعدته على نظام بشار الأسد ويقترح أن يمده بالسلاح والأعوان والخبرة لقمع شعبه ولأننا شكرنا فرنسا على وقفتها معنا ودعمها لتونس ضد بن علي، فالأكيد أن الشعب السوري سيتذكر دوما أن تونس لم تقف معه نفس وقفة فرنسا أيام ثورتنا». لا تتوقف النقاشات الحادة في الصفحات التونسية حول مسألة السفير السوري، وفي أحيان كثيرة تصبح تبادلا للشتائم وضجيجا لا فائدة منه باستثناء بعض المقالات الجادة التي ينشرها ناشطون متخصصون في الشؤون الدولية. وتبقى الغلبة في الصفحات التونسية لآخر أخبار الثلج غرب البلاد، حيث يستعيد التونسيون قلوبهم الكبيرة واستعدادهم للمساعدة والتضحية، وخصوصا وحدتهم في مجابهة المحن والكوارث، وكأن صراعاتهم السياسية لم تكن.