احتضنت قاعة «المونديال» بالعاصمة صباح أول أمس العرض الأول لفيم «وايا رايي» (waya-rayé) للمخرج الشاب عصام السعيدي. فيلم نال استحسان الحاضرين لأنه تطرق إلى حكاية أو موضوع قلما تم التطرق له من قبل سواء في أفلام وثائقية أو روائية. كما نجح المخرج فنيا، وتقنيا في فيلمه «وايا رايي» حيث كانت الصورة العلامة المضيئة في هذا العمل السينمائي البكر، وتجدر الإشارة إلى أن فيلم «وايا رايي» هو شريط وثائقي مدته 64 دقيقة أنتج مع موفى سنة 2011 وهو من إنتاج شركة ستريت للإنتاج، وأعده، صوتا وصورة عدد من الشبان في اختصاص السمعي البصري بإدارة المخرج عصام السعيدي، وهو فيلم يستحق التنوية، خاصة وأنه يجسد إبداع السينمائيين الشبان في تونس وقدرتهم على النهوض بهذا القطاع العليل، ولأنه (العمل) أنجز كذلك بإمكانات بسيطة ارتكزت على العلاقات الخاصة، وميزانية بسيطة. «السطمبالي» و«القمبري» أما على مستوى المضمون فإنه قد أشرنا مسبقا إلى أن فيلم «وايا رايي» تطرق إلى موضوع نادر، تفرعت عنه مواضيع كان بعضها أهم من الموضوع الرئيسي أو لعلها رؤية المخرج جعلت الرئيسي فرعا للخوض فيه لاحقا. الحكاية في هذا العمل السينمائي هي حكاية السيد الحبيب الجويني أكبر رواد موسيقى «السطمبالي» الذي ورث عن أجداده آله «القمبري» وتشبع بهذا النوع من الموسيقى الأثنية ذات الأصول الإفريقية وتحديدا إفريقيا السوداء. يطل على المشاهد هذا العازف التونسي(الحبيب الجويني) صحبة ابنه محمد متحدثا عن آلة القمبري وعن موسيقى «السطمبالي» ليأخذك فيما بعد ، في تدرج فني معقول من قبل المخرج إلى الحديث عن أصول هذه الآلة، وهذه الموسيقى وبالتالي أصول السيد «الحبيب الجويني». أصول إفريقية فالسيد «الحبيب الجويني» الذي حضر صباح أمس بقاعة المونديال صحبة فريق العمل مرتديا «قشبيته» التونسية جاوز الخامسة والستين من العمر، وهو من أم تونسية ووالد أصوله من إفريقيا السوداء، وتقريبا من «مالي» كما تحدث البطل في هذا الفيلم. ولكم أن تسألوا عن ذلك ...لكن السيد الحبيب الجويني لم يفوت فرصة الحديث في الموضوع بما توفر لديه من معلومات جمعها منذ أكثر من 50 سنة وفي روايته يقول إن جدوده الأوائل قدموا كعبيد عبر الرحلات التي كانت تقوم بها قوافل الأوروبيين خلال القرن الثامن عشر وتم بيعهم طبعا كعبيد في تونس. إلا أن ما شد انتباهنا في حديث الرجل هو تمكسه بأصوله الإفريقية وإرادته اللامحدودة في التعرف على موطن أجداده الأصلي، رغم حبه لتونس، وقال في حديثه إن حلمه أن يرى حتى تراب بلاد الأجداد. تلك الأمنية كانت هاجس «عم الحبيب» لكنها لم تغيّب حبه لموسيقى السطمبالي ولآلة القمبري أو لعل تلك الموسيقى مع تلك الآلة كانتا خير أنيس في رحلة البحث في الموطن الأصلي أو الجذور فكان المخرج يأخذ المشاهد صحبة بطله إلى تفاصيل وعادات تونسية إفريقية يعايشها «عم الحبيب» وبعض أفراد عائلته وأصدقائه من نفس الجذور، موسيقيا، بأضرحة الأولية الصالحين و«الزردات» التي تشبع المعدة والروح أكلا، وغناء ورقصا... إذن «عصام السعيدي» نجح بطموح الشباب في إخراج فيلم تونسي مختلف عما هو سائد فكان علامة مضيئة للقطع مع المألوف السينمائي في انتظار أن تخول له هذه التجربة الإقدام على تجارب أخرى كلها جرأة وإبداع، دون ركوب للأحداث كما فعل في فيلمه البكر ومع تجاوز لبعض الأخطاء على غرار تغييب الموسيقي المتميز ابراهيم بهلول في معلقة فيلمه ونأمل أن لا يكون الأمر مقصودا لأنه بهذا المعنى سنحافظ على عقلية سينمائية تونسية من المفترض إزالتها نهائيا من الوجود.