أمام تواصل الارتفاع الجنوني لتكاليف المعيشة في تونس، من المنتظر أن تمر الحكومة إلى طور آخر من الاجراءات قصد اجبار المنتجين والمصنعين والتجار على التخفيض في الاسعار نظرا الى غلائها المتواصل. في الفترة الماضية لمحت وزارة الصناعة والتجارة إلى أن التجار ليسوا وحدهم مسؤولين عن التهاب الاسعار عكس ما يعتقده كثيرون بل أن المنتجين بمختلف أصنافهم (أصحاب المصانع الفلاحون مربيو المواشي والدواجن منتجو البيض...) وكذلك الوسطاء والموردين وغيرهم هم من يقف وراء ذلك من خلال الاسعار التي يبيعون بها منتوجاتهم على مستوى الانتاج ويجبرون بالتالي التجار على الترفيع في الاسعار. دعوة في بلاغ أصدره أمس ، دعا قطاع التجارة بوزارة الصناعة والتجارة كافة التجار والمنتجين ومسدي الخدمات إلى المساهمة في الجهد الوطني لمكافحة غلاء المعيشة . وأوصاهم بالضغط على تكاليف الانتاج والتوزيع والتقيد بالقوانين والتراتيب المنظمة للنشاط الاقتصادي . وذكرت مصادر مطلعة من الوزارة ل«الشروق» أن بعض المنتجين والمصنعين حادوا بمبدإ حرية المنافسة والأسعار الذي تعمل به تونس منذ سنوات وأصبحوا يوظفونه لتحقيق مرابيح فاحشة على حساب المواطن البسيط عوضا عن استغلاله لتطوير الاقتصاد والرفع من الحركية الاقتصادية بالسوق المحلية. وللإشارة فإن 87 بالمائة من الأسعار مُحررة على مستوى الانتاج والتفصيل بينما 13 بالمائة فقط محددة من الدولة. وترى الوزارة أنه أمام هذا الوضع فانه لا يمكن مبدئيا التدخل لدى التجار والمنتجين لفرض أسعار معينة عليهم (بالنسبة ل87 بالمائة). تدخل في البلاغ المذكور، قال قطاع التجارة أن الوزارة شرعت في العمل بالطرق المناسبة لتعديل العرض بالسوق خاصة بالنسبة للمواد الفلاحية مثل الخضر والغلال واللحوم الحمراء والدجاج والبيض. ولم تنف مصادرنا أن هذه المواد أصبحت بالفعل في غير متناول المستهلك في المدة الاخيرة وهو ما بات يستدعي تدخلا عاجلا عبر مختلف الوسائل المتاحة أمام سلطة الاشراف للحد من ذلك. واكدت مصادرنا أن البلاغ الصادر أمس عن قطاع التجارة بالوزارة ما هو إلا خطوة أولى الغاية منه دعوة موجهة بكل لطف إلى المتدخلين في الشأن الاقتصادي من منتجين وتجار حتى يساهموا في مكافحة غلاء المعيشة . غير أن هذا التمشي من الوزارة لن يقف عند ذلك الحد إذا ما تمادى المتدخلون في إلهاب الاسعار وتكاليف المعيشة. مراقبة وتوريد تقول وزارة الصناعة والتجارة أنها لن تتوانى في تتبع المتجاوزين في إطار ما يكفله القانون وذلك عبر برنامج، تم البدء في تنفيذه ويهدف إلى تكثيف تدخل جهاز المراقبة الاقتصادية خاصة في ظل تحسن الظروف الأمنية بالبلاد. وتقول مصادرنا أن المراقبة الاقتصادية لن تتسامح في الفترة القادمة مع المتجاوزين. وعلى صعيد آخر قالت الوزارة أنها قد تلجأ إلى حل آخر وهو التوريد (عبر الدولة وعبر الخواص) الذي يمكن من تكثيف العرض في السوق المحلية فتنخفض الاسعار آليا. ومن غير المستبعد أن يشمل التوريد بشكل مكثف هذه المرة مواد حساسة ومختلفة على غرار البيض والدجاج واللحوم الحمراء وحتى الخضر والغلال ثم يقع عرضها في السوق المحلية عبر مسالك توزيع محددة واسعار تضبطها الدولة وتكون مناسبة للمقدرة الشرائية للتونسي. وهذا الاجراء من شأنه ان يدفع بالمنتجين المحليين إلى التخفيض آليا في أسعارهم حتى يقدروا على مجابهة المنافسة. مقرر وزاري في السابق ، كانت وزارة التجارة تتدخل بين الحين والآخر عبر مقررات لتحديد أسعار مواد معينة خاصة في المناسبات (رمضان الأعياد...) وذلك بعد الاتفاق مع أهل المهنة . غير أن هذه الطريقة أصبحت اليوم غير ممكنة في ظل تعنت بعض قطاعات الانتاج وفرضها اسعارا لا تتناسب ومقدرة المواطن لتحقق من وراء ذلك هوامش ربح تفوق 60 و70 بالمائة (مثلا في قطاع البيض والدجاج والخضر واللحوم). وتقول المصادر المذكورة أن الوزارة لا يمكنها التدخل لتحديد اسعار بعض المواد بقرارات أحادية الجانب دون التشاور مع أهل المهنة، لأن ذلك سيخلق مزيدا من الاحتكار ويشجع السوق السوداء ويشجع أيضا ظاهرة التهريب. وفي هذا الاطار أكدت الوزارة أنها وضعت أيضا خطة لمنع التهريب العشوائي للمواد المدعومة والحساسة.