إنّ طبيعة المشهد الاعلامي هو من طبيعة المشهد السياسي التونسي، تداخلت الأمور وتسارع نسقها حتى أنك صرت غير قادر على التصريح برأي واضح في مسألة واضحة. كثرة القنوات الاذاعية والتلفزية وكذلك الصحف السيارة، تعتبر أمرا ايجابيا لأنها تدل على أن الانسان التونسي أصبح يطمح الى الاستثمار في الاعلام بأشكاله الثلاثة، وهو أمر حضاري بامتياز. مع العلم أننا لم ننس سقف الرصاص الذي وضعه النظام البائد في أفواه كل الاعلاميين والمبدعين والمفكرين. أما مسألة الغثّ منها والسمين، فهي موكولة الى الانسان التونسي وإلى طموحاته وما يتمناه شخصيا لتونس. صحيح أن التشابه في المضامين، وضحالة المادة الاعلامية المقدمة تعتبران نقطة سلبية في مجال الاعلام لكننا مجبرون على المرور بهذه المرحلة التأسيسية وهو عين ما يمر به أعضاء المجلس التأسيسي والأحزاب ومكوّنات المجتمع المدني. وفي مستقبل الأيام سنرى لا محالة اعلاما متنوّعا ولكنه متميز، فقط يحصل الانتظار والمراقبة والمتابعة. النقطة الثانية، وتتعلق بالمستشهرين، نحن نعلم الدور الفاسد الذي اضطلعت به وكالة الاتصال الخارجي التي وضعت ثقلها على كل المستشهرين وأصبحت تتاجر بهم، أي تثري من كان مع النظام وتفقر من كان ضدّ النظام البائد أو يتصور إنّه ضدّه والمستشهرون اليوم لهم كامل الحقّ في اختيار القناة أو الجريدة لأن المستشهر غايته تجارية أي أن يرى ويسمع بمنتوجه أكبر عدد من المواطنين. أمّا أن تستدعي قناة غير مرخّص لها رسميا لمحاورة رئيس الدولة، فهذا أمر غريب، غرابة كل التصرفات التي نشهدها يوميا وعلى كافة الأصعدة. يبقى أن يعلم التونسي، وقد لا يمانع في ذلك: هل مثل هذه القناة مرخص لها رسميّا أم لا؟! وفي الختام عندما نتوفّق الى أسلوب ديمقراطي في الحكم يكون واضحا ودقيقا ووطنيا. ستقع «أتوماتيكيا» غربلة كل وسائل الاعلام الخاصة والعمومية، وسيدرك الجميع أن الأمور استقرّت ولن يكون الاستقرار تاما وجليّا، إلاّ إذا ما استقرّت البلاد سياسيا ووضحت سلوكات المواطنين والسياسيين من وزراء وأحزاب. ولا ننسى أن ما صرّحت به الآن هو في ضمير كل عناصر المجتمع المدني التي ناضلت تحت القهر ولاتزال تواصل النضال بعد ثورة 14 جانفي.