ليس أخطر على الثورة ومستقبلها من تزايد قناعة فئات واسعة من التونسيين بأن فترة ما قبل الثورة كانت أفضل على عديد الأصعدة من الفترة الحالية. ولا يمكن الجزم بأن كل هؤلاء من رموز النظام السابق أو من قوى الردة و الثورة المضادة,بل يرجح توصيفهم بمن نفد صبرهم من تحسن الأوضاع وتراجع تفاؤلهم إلى مستويات دنيا, وأصبح الخوف من القادم مسيطرا عليهم, إذ ضمر عندهم المنجز الثوري وكاد يقتصر على انتخابات نزيهة وديمقراطية لم تشهد لها البلاد مثيلا طيلة تاريخها الحديث إضافة إلى هامش متوسع من الحرية استحال إلى فوضى وانفلات ومس بهيبة الدولة ومؤسساتها. ويمكن تفهم هذه الحالة أو هذه القناعة لما نرى أن أهداف الثورة, التي خرج من أجلها الملايين وسقط بسببها آلاف الجرحى ومئات الشهداء, لم تتحقق وأن لا أمل في تحققها قريبا, رغم الوعود الكثيرة وحسن النوايا المعلن عنها, إذ لم تتبلور حلول ومعالجات جدية لملفات البطالة و الفقر والتنمية الجهوية ولم تتوفق السلطة في فرض الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي, وفي الحد من الارتفاع الجنوني للأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.... ولا يمكن تحميل كل المسؤولية لحكومة الترويكا التي باشرت الحكم قبل قرابة ثلاثة أشهر فقط, لكن ذلك لا يحجب تقصيرها تماما وتباطؤها في مواجهة الملفات الحساسة وضعف إدارتها للأوضاع بحكم قلة خبرتها وضعف الإمكانيات وانهماكها في معالجة المستجدات والطوارئ وهي متعددة ومختلفة. لكن في المقابل فإن المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات وتستبق اقامة الدولة الديمقراطية والقوية والمستقرة تستغرق أكثر من سنة وبعض الأشهر, وبالتالي فإن التشاؤم أو التخوف ليس هناك ما يبرره راهنا , ويبدو سابقا لأوانه وقد يحد من العزم على تظافر الجهود لمواجهة التحديات, وهي كثيرة, والعمل من أجل التنمية المستدامة التي تعد فاتحة حل كل الإشكاليات, وهي مسؤولية الحكومة والمجتمع المدني وتتطلب وفاقا واسعا ومناخا سليما يدفع الى تحقيق كل أهداف الثورة ويقبر كل اتجاهات التشكيك فيها أو التخوف عليها.