... وليس أمامنا إلاّ الحوار... كلمات بسيطة ولكنها عميقة في معانيها ومضامينها وتصلح لتكون خريطة طريق يلتزم بها كل فرقاء الساحة السياسية والنقابية في بلادنا من أجل تجاوز هذه الفترة الصعبة التي تلقي بظلال كثيفة وتهدّد المسار الديمقراطي الوليد وكذلك التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي والتي تطرح على نفسها أن تكون نموذجا لباقي التجارب العربية. فأصل الشيء أن الحوار جعل لتوضيح المواقف والمآخذ وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء. وأصل الشيء أن الحوار وحده هو الكفيل ببلورة فهم مشترك وتحديد أرضية مشتركة ونقاط التقاء تمكن من خدمة المصالح العليا المشتركة وتمكن من توحيد الرؤى والصفوف في مواجهة المشاكل القائمة. وبلادنا في هذا الظرف بالذات تقف أمام جبال من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكلها على صلة وثيقة بالوضع الانتقالي الذي تعيشه تونس... وهي مشاكل تحتاج الحكومة لمباشرة معالجتها الى تهدئة كاملة على الجبهتين السياسية والاجتماعية لتتمكن من إعادة دوران دواليب الدولة في الاتجاه الصحيح... أكثر من هذا، فإنها تحتاج انخراط كل الأطراف الفاعلة بروح بنّاءة في الدفع نحو تحقيق هذا الهدف إما بالنصح أو بالاقتراح أو بالمساعدة على التوعية والترشيد. وهذه المهمة تستوجب من الحكومة الكثير من الصبر والحكمة والكثير من هدوء الأعصاب والانفتاح على الرأي الآخر وتستوجب من باقي الفرقاء على الساحة سواء الأحزاب المعارضة الفاعلة أو اتحاد الشغل مساهمة ايجابية في انضاج ظروف ملائمة لانجاح الانتقال الديمقراطي وتهدئة الأوضاع الاجتماعية والأمنية بما يحفظ البلاد من شرور الانزلاقات التي تهدّد الجميع وتفتح أبواب المجهول على مصراعيها. هذا الالتقاء من أجل الوطن يتطلب من كل طرف الكثير من الحكمة لتقديم نصيبه من التنازلات والتضحيات من أجل تونس، فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ولا أحد يمتلك عصا سحرية لتغيير الأوضاع بين عشية وضحاها... ثم انه سيكون من باب الانتحار لو لم ننتبه في الابان أننا نركب نفس السفينة وأنه لا معنى لأن يسعى أي طرف لثقبها بنية إغراق طرف آخر... لأن الغريق في هذه الحالة سيكون الوطن لا قدّر اللّه.