في الحديث القيّم الذي خص به صحيفتنا (انظر شروق الاثنين 12/9/2011، ص5) عبّر الأستاذ الصادق بلعيد عن مخاوفه من «بركان على وشك الانفجار ومن دوامة او اعصار قادمين وقد لا يبقيان شيئا ووقتها سوف نعيش أزمة رهيبة جدا قد لا نخرج منها أبدا وبالمرة». وعندما يطلق أستاذ جليل في قيمة وحنكة وحكمة د. بلعيد مثل صيحة الفزع هذه، فإنه يفترض ان تجد هذه الصيحة صداها لدى النخب السياسية والناشطين والمثقفين في هذا البلد الذين تقع عليهم مسؤولية ايجاد التوافق المطلوب لإنجاح الفترة الانتقالية بما يساعد على انجاح المحطة الانتخابية القادمة على اعتبارها المفتاح الرئيسي لإنجاز التحول الديمقراطي السلس والسليم الذين ينشده الشعب التونسي. فقد أهدرت الأحزاب والنخب وقتا ثمينا في البحث عن المناكفات وتغذيتها في اطار الترويج لبرامجها ولرؤاها وفي اطار الدفاع عن ألوانها السياسية وهذا أمر مشروع ومفهوم طيلة الاشهر الماضية.. على اعتبار ان جل هذه الأحزاب كانت مقموعة أو ظهرت بعد الثورة ومن حقها التعبير عن نفسها والتعريف ببرامجها وبوجهات نظرها ومواقفها من كل المستجدات على الساحة الوطنية. لكن، الآن نحن على مرمى حجر من موعد 23 أكتوبر الذي ينتظره الشعب على أحرّ من الجمر ويرى فيه المخلّص من حالة الشك والتردد التي تطبع الفترة الانتقالية بما تفرزه من انفلاتات وما تسببه من فوضى واضطراب رغم ما تبديه حكومة السيد الباجي قايد السبسي من حرص وتفان للعبور بالسفينة الى برّ الأمان.. ويفترض أن اقترابنا من هذه المحطة الانتخابية يفترض ان يدعونا جميعا الى دفن سيوفنا وحرابنا والاتجاه جميعا نحو توافق وطني حول جملة من المبادئ والتوجهات الأساسية التي يمكن ان توجه رسائل طمأنة تهدئ الشعب وتطمئنه على مستقبله وتمكن من تجسيد القيم الجمهورية التي بات يصبو اليها التونسي ويعتبرها حقا مشروعا. من هنا فإنه يفترض ان نلقي بكل المناكفات جانبا وأن نمدّ جسور الحوار والتواصل بين مختلف الكتل ومختلف الرؤى ومختلف التصورات طالما ان النوايا سليمة والغايات واحدة.. فإذا كنا مثلا نتوافق جميعا على ضرورة تحديد مدة المجلس التأسيسي ونختلف حول تنظيم استفتاء شعبي حول المسألة.. واذا كانت مسألة الاستفتاء تشق الصفوف وتفرّق الكلمة وتلقي بظلال الشك والريبة بين الأشقاء في الوطن والمصير فما الذي يمنع من التقاء فرقاء وجهتي النظر والتوقيع على وثيقة مرجعية يهتدي بها المجلس التأسيسي بعد انتخاب أعضائه.. وبذلك نضمن تحديد المدة كما يريد البعض ونتجنب الاستفتاء كما يريد البعض الآخر. وإذا انطلقنا من أننا شركاء في هذا الوطن وبأننا نركب نفس المركب وأمامنا أن ننجو جميعا لأنه لا مجال للفشل تصبح أمامنا طريق التوافق كطريق ثالثة وسالكة للجميع... وهي وحدها الطريق التي يمكن أن تجنّبنا المخاوف المدمرة التي عبّر عنها الأستاذ الصادق بلعيد فيما لو تمادينا في هذه المناكفات العبثية التي لا تزيد الا في شحن الأجواء وفي تهديد الانتقال الديمقراطي برمته واغراقنا لا قدّر الله في فتنة لا أول ولا آخر لها.